(وليس لله كيف ولا أين) لما مر من أنهما مخلوقان فلو كانا له لزم افتقاره إلى خلقه به واتصافه به وانتقاله من حال إلى حال والكل محال وإنما كرر نفي الكيف والأين عنه لأن أكثر الخلق يتوهمونهما له (ولا حد يعرف) نفى عنه الحد العرفي وهو المتألف من أجزاء الماهية وخواصها والحد اللغوي وهو النهايات المحيطة بالجسم والجسمانيات لأن الأول مستلزم للتركيب والتوصيف والثاني من لواحق الكم وتوابعه (ولا شيء يشبهه) لأن المشابهة بين الشيئين إما في الحقيقة أو في أجزائها أو في عوارضها ولا يشبهه الممكن في شيء من ذلك أما الأول فظاهر وأما الأخيران فلأنه لا جزء ولا عوارض له.
(ولا يهرم لطول بقائه) لأن الهرم إنما يحصل بتغير المزاج وانفعاله وانكساره بطول الزمان وتوارد المصايب وكل ذلك ممتنع (ولا يصعق لذعره) الذعر بالضم الخوف والضمير راجع إليه عز وجل أي لا يفزع أو لا يموت أو لا يغشى عليه لخوفه من شيء لأنه قاهر على كل شيء قادر على إعدامه في أقل من طرفة عين فكيف يصعق خوفا منه؟ ولأن ذلك تابع للحياة الزائدة عن الذات فتزول بطريان أسباب الزوال وحياته ليست بزائدة (ولا يخاف كما تخاف خليقته من شيء) لأن الخوف تابع للانفعال وهو منزه عنه والنفي راجع إلى القيد والمقيد جميعا (ولكن سميع بغير سمع وبصير بغير بصر) لأن سمعه وبصره عبارة عن العلم بالمسموعات والمبصرات فهما نوعان من مطلق العلم (وقوى بغير قوة من خلقه) أي قوى بذاته لا بقوة زائدة هي خلقه أو بعض خلقه أو نشأت من خلقه فمن على الأول للتيين وعلى الثاني للتبعيض وعلى الثالث للابتداء والحاصل أنه لو كانت له قوة زائدة لزم إما اتصافه بخلقه أو الاستعانة به كما يستعين السلطان منا بقوة عساكره (لا تدركه حدق الناظرين) الحدق جمع الحدقة وهي العين أو الناظرة منها وفيه تنزيه له عن الرؤية بحاسة البصر لتنزهه عن الضوء واللون والجسمية ولواحقها من الجهة والأين وتوجيه البصر وإدراكه به (ولا يحيط بسمعه سمع السامعين) لأنه يسمع بذاته ما لا يسمع السامعون من الأصوات الخفية التي بلغت في الخفاء حدا لا يدركه حديد السمع كحسيس النملة على الصخرة الملساء وصوت جناح الجرجس في الهواء.
ثم أشار إلى تنزيه صنعه من الحاجة إلى الآلة والحيلة والمشورة والاستعانة وغيرها بقوله: (إذا أراد شيئا كان) ذلك الشيء كما أراد من غير تراخ ولا مهلة (بلا مشورة) من الغير ليعلم صلاح أمره وفساده (ولا مظاهرة) من أحد في الإيجاد ليجيء الفعل كاملا بانضمام القوتين (ولا مخابرة) هي أن يعطى الرجل أيضا أرضا غيره ليزرع فيها على النصف والثلث والربع وغيرها يعني أنه تعالى لم يفوض أمر ملكه وخلقه إلى غيره ليعمل فيه ويكون له نصيب منه إما للعجز عن العمل فيه أو لغرض آخر كما يقوله من زعم أنه تعالى واحد لا يصدر منه إلا الواحد وأن أمر الباقي مفوض إلى