العقول العشرة وأن لها نصيبا في خلق عالم الروحانيات والجسمانيات ويحتمل أن يكون المخابرة من الخبر وهو العلم وهي أن يعطي كل واحد منهما الآخر ما عنده من العلم ليتحقق كمال الفعل بانضمام العلمين (ولا يسأل أحدا عن شيء من خلقه أراد) ليخبره بصلاحه وفساده وخيره وشره ويفتح عليه أبواب علمه وحكمته لأن السائل جاهل والله سبحانه عالم بجميع الأشياء لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء (لا تدركه الأبصار) أي أحداق العيون (وهو يدرك الأبصار) أي يحيط علمه بها وبمدركاتها.
ولهذه الآية تفسير آخر أدق وأحسن وهو ما رواه المصنف في باب الرؤية من الأصول بإسناده عن أبي هاشم الجعفري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سألت عن الله هل يوصف؟ فقال: «أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال: أما تقرأ قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) قلت: بلى، قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى، قال: ما هي؟ قلت: أبصار العيون، فقال: إن أوهام القلوب أكبر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام». وفيه روايات أخر دالة على أن المراد منها أنه لا تدركه القلوب المجردة والعقول المقدسة ويلزم منه أن لا يدركه البصر أيضا لأن كل ما يدركه البصر يدركه العقل دون العكس ونفي العام يستلزم نفي الخاص وبالجملة في الآية دلالة على نفي إدراكه مطلقا وهذا أولى من نفي ادراكه بالعين.
(وهو اللطيف الخبير) أي العالم بلطائف الأمور وخفياتها والخبير بحقايقها وحقايق ظواهرها وبواطنها، ويمكن أن يكون من باب النشر المرتب أي وهو اللطيف فلا تدركه الأبصار وهو الخبير فهو يدرك الأبصار (أرسله بالهدى) أي بسبب هداية الخلق أو متلبسا بها أو بالقرآن أو بساير المعجزات (ودين الحق) الذي يوصل إليه وهو دين الإسلام أو الولاية لعلي عليه السلام وقد فسره بها أبو الحسن الماضي عليه السلام كما مر في باب النكت من كتاب الأصول (ليظهره على الدين كله) أي ليغلبه على الأديان كلها عند قيام القائم عليه السلام كما صرح به أيضا في الباب المذكور (ولو كره المشركون) إظهاره وغلبته على الأديان (فبلغ الرسالة) كما أمر به وذكره في معرض المدح لكونها أمانة عظم قدرها وقدر تبليغها (وأنهج الدلالة صلى الله عليه وآله) أي أوضح الدلالة على جميع ما يحتاج إليه الخلق من أمر المبدأ والمعاد والمعاش وغيرها وأعظم ما يحتاجون إليه معرفة الإمام بعده كيلا يضلوا.
(أيها الأمة التي خدعت) من النفس الأمارة وهواجسها ومن مردة الجن والإنس ووساوسها (فانخدعت) لاستعداد طبعها للقبول وميل نفسها إلى الفضول (وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت) فيه مبالغة في ذمهم لأن الإصرار على الانخداع مع معرفة الخدعة والخادع من كمال الشقاوة (واتبعت أهواءها) أي دواعي نفوسها إلى الشهوات الخارجة عن