الجاهل المستنكف فإنه إذا سئل عن أمر مبهم أو ورد عليه أمر مشكل أوضحه بأهوائه الفاسدة وبينه بآرائه الكاسدة لئلا يقولوا: إنه جاهل (واختلفتم في دينكم) الذي اخترعتموه بالأهواء إذ الأهواء مستلزمة إلى الاختلاف قطعا لتفاوت الأشخاص فيها (فأفتيتم في دين الله بغير علم) مأخوذ من صاحب الوحي أو ممن أخذ منه فحصل بذلك دينكم المخترع (واتبعتم الغواة فأغوتكم) عن دين الله وأضلتكم عن سبيله، والذي ذكره (عليه السلام) معلوم لمن نظر في أصولهم وفروعهم فإنه يجد أكثرها مخالفة للكتاب والسنة وجهل الخلفاء أمر معروف ورجوعهم عن الخطأ في بعض الموارد إلى قوله (عليه السلام) مشهور حتى قال عمر مرارا «لولا علي لهلك عمر» وإلزام العجوزة له في كتبهم مذكور وكان الأول في المنبر يقول «أنا مثلكم فإن قلت صوابا فاتبعوني وإن أخطأت فاهدوني» وأما الثالث فهو الفاسق الأحمق الذي لم يعلم الهر من البر (وتركتم الأئمة) الهداة من أهل بيت نبيكم الذين أخذوا العلوم من مشكاة نبوته (فتركوكم) في الضلالة لشقاوة نفوسكم وقساوة قلوبكم وبطلان استعدادكم عن قبول الهداية لكمال الغواية.
(فأصبحتم تحكمون بأهوائكم) لجهالتكم بالدين وإعراضكم عن أهل العلم واليقين (إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر وإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه) الذكر القرآن أو النبي (صلى الله عليه وآله) وقد روي تفسيره به في الأصول وأهله أهل بيته (عليهم السلام) والمراد بالأمر الأمر الديني أو الأعم منه ومما كان وما يكون وما هو كائن، وإذا للشرط في الاستقبال وقد يأتي في الماضي أيضا ولعل المراد أن أهل الذكر كانوا مرجعكم فيما ورد عليكم من الأمر المبهم وأنتم تسألونهم عنه وهم إذا أفتوكم فيه وفسروه لكم صدقتموهم وقلتم - للمدح والتحسين -: هو العلم الحق الذي جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله) بعينه من غير نقص وزيادة فكيف تسألونهم عنه وتقولون هذا القول والحال أنكم تركتموهم وأزلتموهم عن منزلتهم ونبذتموهم وراء ظهوركم كأن لم تعرفوهم وخالفتموهم فيما لهم من حق الولاية والخلافة التي بناؤها على العلم والحكمة التي عندهم، وفيه توبيخ وإنكار عليهم وتعجب من حالهم حيث جمعوا بين الضدين اللذين أحدهما من لوازم العقل والآخر من توابع الجهل والله أعلم.
(رويدا) تصغير رود بالضم وهو هنا إما مصدر أو صفة وكونه اسم فعل بمعنى أمهله بعيد ومعناه على الأول كما في كنز اللغة آهسته رفتن وعلى الثاني آهسته، ونصبه بفعل مقدر أي سيروا سيرا رويدا وإنما أمر به لأن سرعة السير في طريق الباطل توجب غاية البعد من الحق بخلاف البطء فإنه قد يفضي إلى الشعور به والرجوع عن الباطل (عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم) من الأعمال والأفعال والآراء والأهواء وفيه تشبيه المعقول بالمحسوس لقصد الإيضاح (وتجدون وخيم ما أجترمتم) أي ما اكتسبتم من ترك الولاية والرجوع إلى الإمام العالم العادل، والوخامة