الحاكمين) لا راد لحكمك ولا حيف فيه، وقد حكم الله الملك الديان بذلهم وخذلانهم بسيف صاحب الزمان وبخزيهم وهوانهم عند الأبرار وسوء مآلهم في الآخرة بالدخول في النار.
(ثم خرج من المسجد فمر بصيرة) بكسر الصاد وسكون الياء المثناة التحتانية وهي حظيرة تتخذ للدواب من الحجارة وأغصان الشجر وجمعها أي يكون جميع حركاتهم وسكناتهم لله ولرسوله وموافقة للقوانين الشرعية لا يكون لهم تعلقا بالدنيا وحياتها (لأزلت ابن آكلة الذبان عن ملكه) الذبان بالكسر جمع الذباب بالضم هو معروف والعرب في مقام ذم رجل ينسبونه إلى أمه خصوصا إذا اشتهرت بلقب خبيث (فلما أمسى بايعه ثلاثمائة وستون رجلا على الموت) على أن لا يفروا عند القتال وإن قتلوا (فقال أمير المؤمنين عليه السلام اغدوا بنا إلى أحجار الزيت) موضع بالمدينة (محلقين) أي لا بسين للحلقة وهي بسكون اللام السلاح مطلقا وقيل: هي الدروع خاصة ويحتمل أن يراد بالتحليق إزالة شعر الرأس وكأنه أمرهم به ليكون شعارا لهم وليخبرهم بالطاعة والامتثال لأمره والله أعلم (فما وافى من القوم محلقا إلا أبو ذر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر) والباقون تركوا التحليق أو تركوا الحضور (وجاء سلمان في آخر القوم) لم يعلم أنه كان محلقا أم لا بل الظاهر عدمه (فرفع يده إلى السماء فقال اللهم إن القوم استضعفوني كما استضعفت بنو إسرائيل هارون) بإعراضهم عن نصحه وزجره عن عبادة العجل عند خروج موسى (عليه السلام) من بينهم حتى كادوا يقتلونه وفيه شكاية عن ترك الأصحاب نصرته وتقاعدهم عن متابعته، وبالجملة لم يكن له معين ولا دافع لهم عنه ولا مساعد إلا قليل من أهل بيته فضن بهم عن المنية فصبر على القذى وجرع ريقه على الشجى وحمل نفسه على كظم الغيظ.
وهنا كلام للمخالفين لا بأس أن نشير إليه فنقول: قال المخالفون: لو كان علي رضي الله عنه وصيا ومستحقا للخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بالوصاية لما جاز له أن يقعد عن طلبها بالسيف مع شجاعته وحيث قعد عنه ولم يطلبها بالسيف علم أنه لم يكن وصيا ولم يكن منكرا لخلافة من تقدمه.
أقول: لا حجة لهم في ذلك وما ذكروه أوهن من بيت العنكبوت أما أولا فلأن الله تعالى أمر بثبات الواحد على الاثنين وقد كان علي عليه السلام داخلا في هذا النص غير مستثنى ولا مأمور بأن يقاوم الألوف وحده بالاتفاق وأما ثانيا فلأن النبي (صلى الله عليه وآله) وأبا بكر فرا من مكة إلى المدينة فإذا جاز لهما ذلك فقد جاز لعلي (عليه السلام) وحده بالأولوية، وأما ثالثا فلأنه عليه السلام مع وجود النبي (صلى الله عليه وآله) استحصن بالخندق ولم يبرز للأحزاب وحده مع كونه شجاعا فإذا جاز له ذلك عند حضوره جاز له بعد مفارقته أيضا.
وأما رابعا فلأنه لا يجب على الشجاع بل لا يجوز القيام بالمحاربة على العدد الكثير بدون أمر الله تعالى إذا ظن أو علم الغلبة لهم ولعله (عليه السلام) علم أنه لا يقاومهم وحده وهو أعلم بنفسه منكم.