حدود الله الداعية إلى ترك أمر الله ورفض ولاية ولي الله (وضربت في عشواء غوايتها) الضرب السير والعشواء الظلمة أو ما بين أول الليل إلى ربعه وإضافتها إلى الغواية وهي الضلالة من قبيل لجين الماء أي وسارت في غوايتها وضلالتها التي هي كالظلمة في عدم الاهتداء إلى المقصود والمنع من الوصول إلى المطلوب، ولو كانت في بمعنى على كما في قوله تعالى: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) كان المراد بالعشواء الناقة التي لا ترى أمامها، والوجه عدم الإيصال إلى المطلوب (وقد استبان لها الحق) وهو ولايته وخلافته عليه السلام (فصدت عنه) أي صرفته أو تفرقت عنه واشمأزت عن قبوله (والطريق الواضح) وهي النصوص الدالة على الولاية (فتنكبته) أي عدلت عنه (أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة) أي شق الحبة وخلق الإنسان وكان (عليه السلام) كثيرا ما يحلف به لدلالته على كمال الحكمة والقدرة لأن من تفكر في شق الحبة وجعل أسفلها عروقا تخرق الأرض مع لطافتها ودقتها بحيث لو دلكها الإنسان بأدنى قوة صارت كالماء وجعل أعلاها شعوبا صاعدة في الهواء مغتذية من الطين والماء منفصلة بالأغصان والأوراق والأثمار وجعل بعض الأثمار مختلفة في الطبايع كالأترج فإن قشره حار يابس ولحمه بارد رطب وحماضه بارد يابس وبذره حار رطب وجعل الأوراق مشتملة على خطوط مستقيمة ومعوجة صغار وكبار لحفظها ولوصول الماء والغذاء إلى جميع أطرافها وتفكر في خلق الإنسان وعجائب الصنع فيه التي يعجز عن إدراك قليل منها عقول الأذكياء علم أن الصانع عالم حكيم قاهر قادر على جميع الأشياء.
(لو اقتبستم العلم من معدنه) المعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب وفضة ونحوهما والمراد به هنا هو وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام بعد النبي (صلى الله عليه وآله) على سبيل الاستعارة لأنهم معادن العلوم الإلهية والأحكام الشرعية ومن صدورهم الطاهرة يخرج العلم وينتشر في العالم كما أن من المعادن تخرج الجواهر وتنتشر (وشربتم الماء بعذوبته) شبه العلم بالماء في الأحياء لأن العلم سبب لحياة القلوب بعد موتها كما أن الماء سبب لحياة الأرض وأطلق المشبه به على المشبه وذكر الشرب والعذوبة وهي الخلوص من الكدرة ترشيحا للإستعارة وتنبيها على أن النافع من العلم هو الخالص من كدرة الشبهات والقياسات.
(وادخرتم الخير من موضعه) لعل المراد بالخير العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة النافعة في الدنيا والآخرة وكيفية التخلص من أضدادها (وأخذتم الطريق من واضحه) أي من موضع واضح منه وهو وسطه الذي يوصل سالكه إلى المطلوب وفيه تنبيه على خروجهم عنه يمينا وشمالا وإليه أشار عليه السلام في بعض كلامه «اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة» وفي بعض النسخ «وأخذتم من الطريق واضحه» وهو واضح (وسلكتم من الحق نهجه) النهج الطريق الواضح ولعل المراد به هو (عليه السلام) وبالحق كل ما جاء به