(قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم)) لما ذكر الله تعالى أهل الكتاب والمنافقين وذمهم ونصحهم قال (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم)، فأولئك إشارة إليهم ووعد لهم بمرافقة الأخيار في دار القرار بشرط الطاعة (من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) ترغيب إلى تحصيل ما يوجب رفاقتهم، ورفيقا نصب على التمييز أو الحال قيل: ولم يجمع لأنه يصدق على الواحد والجمع أو لأنه أريد وحسن كل واحد منهم رفيقا (فرسول الله صلى الله عليه وآله في الآية النبيون) الجمع للتعظيم أو لأن المصدق به مصدق بالجميع (ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء) لصدق جميع أقوالهم وعقائدهم ووفائهم بجميع العهود وكونهم شهداء في بلاده على عباده أو كونهم شهداء بيد الأعداء (وأنتم الصالحون) فتسموا بالصلاح (كما سماكم الله عز وجل) ترغيب في الصلاح والاجتهاد في العمل والورع والتقوى قسم الله عز وجل العارفين بثلاثة أقسام لأن العارف إما صاحب الوحي وهو الأول أو وصيه وهو الثاني أو التابع لهما وهو الثالث ورغب غير العارف في الطاعة في صدر الآية طلبا لمرافقة هؤلاء الأخيار (إذ حكى عن عدوكم في النار) حال عن العدو بقوله (وقالوا مالنا لا نرى رجالا كنا) في الدنيا (نعدهم من الأخيار) عدوهم منها لزعمهم أن دينهم الباطل حق وأن دين الحق وهو دين هؤلاء الرجال باطل فاسترذلوهم وسخروا بهم وكذلك كان حال الكفرة بالنسبة إلى أهل الإيمان في قديم الأيام أيضا (اتخذناهم سخريا) بكسر الهمزة صفة ثانية لرجال وأما بفتحها كما في بعض القراءة على الاستفهام فهو توبيخ وإنكار لأنفسهم في سخرية هؤلاء بالرجال واسترذالهم، والسخرى بالضم والكسر والسخرية اسم من سخر منه وبه إذا هزأه واسترذله وأهانه (أم زاغت عنهم الأبصار) أي مالت عنهم فلا تراهم و «أم» معادلة لما لا ترى أي عدم رؤيتهم في جهنم إما لغيبتهم وعدم دخولهم فيها أو لزيغ الأبصار عنهم، ولعل صدور هذا القول منهم إما لتأسفهم أو لكمال دهشتهم من شدة عقوبتهم وإلا فقد علموا أن سبب دخولهم في النار ترك دين هؤلاء الرجال وفيه دلالة على أن أهل جهنم يرون كل من دخل فيها.
(والله ما عني ولا أراد بهذا غيركم) أي ما عني الله عز وجل ولا أراد بهذا القول أو بقوله:
(رجالا) غيركم وفي بعض النسخ «ما عنى الله» وفيه دلالة على أن الشيعة لا تدخل النار، ويدل على ذلك أيضا ما روي عن أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم السلام من قولهم «إنما الأئمة قوام الله على خلقه عرفاؤه على عباده لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه» ويظهر منه أن المقر بالأئمة لا يدخل النار والمنكر لهم لا يدخل الجنة، وسر ذلك أن معرفة ولايتهم وحقيقة إمامتهم أعظم ركن من أركان الدين وأفخم أصل من أصول الإيمان