تنابزوا بالألقاب) التنابز التداعي بالألقاب القبيحة وإنما قال أبو بصير ذلك لزعمه أن هذا لقب قبيح لا لشكه في دينه فرفع (عليه السلام) زعمه وبشره بأن هذا لقب حسن لكم ولمن كان على دين الحق ثم بين أن كل الخلق ملقب بهذا اللقب أما أنتم فلرفضكم دين الباطل وأما هؤلاء فلرفضهم دين الحق فهذا اللقب ممدوح لكم ومذموم لهم (افترق الناس كل فرقة وتشعبوا كل شعبة) التشعب التفرق والشعبة بالضم الفرقة والطائفة والمراد بكل فرقة وكل شعبة فرقة كثيرة وشعبة كثيرة وذلك لأن الباطل له طرق كثيرة فذهبت إلى كل طريق طائفة لتوافق عقولهم وتناسب آرائهم.
(فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم) أي صرتم معهم شعبة واحدة (وذهبتم حيث ذهبوا) في الأصول والفروع وصرتم من أهل التسليم لهم وصرفتم عقولكم عن الأهواء والآراء كما صرفوا عقولهم إليها ولم يعلموا أنه لا يجوز ذلك بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كما لا يجوز معه (يا أبا محمد أن لله ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق في أوان سقوطه) في ذكر الظهر إيماء إلى تشبيه الذنوب بالأثقال والأحمال المحمولة على الظهر تشبيه المعقول بالمحسوس لقصد الإيضاح، وفي صدر الكلام إيماء إلى أن طائفة من الملائكة مخصوصون بهذا العمل وفي آخره إلى أن ذنوب المؤمن غير مستحكمة لضعفها بمضادة الإيمان بخلاف ذنوب غيره فإنها مستحكمة لقوتها بمواد من الكفر (وذلك قوله عز وجل (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم... ويستغفرون للذين آمنوا) ذلك إشارة إلى اسقاط الملائكة ذنوب الشيعة، وجه دلالة الآية عليه أن إستغفار الملائكة لهم غير مردود بل هو سبب له وجود السبب دليل على وجود المسبب (استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق) المراد بكاف الخطاب كل من أقر بولاية علي عليه السلام ووصايته، وبهذا الخلق كل من أنكرها فيشمل كل من آمن وبه وأنكره من هذه الأمة ومن الأمم السابقة فإن ولايته عليه السلام مأخوذة على جميع الخلق من الأولين والآخرين كما دلت عليه الروايات فمن آمن به منهم فهو مغفور باستغفار الملائكة ومن أنكره فهو محروم منه.
(فقال من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) أي أقامو ظاهرا وباطنا وفي كنز اللغة:
صدق راست گفتن وراست شدن وراست داشتن والمراد به هنا هو المعنى الأخير (فمنهم من قضى نحبه) في القاموس: النحب الموت والأجل والنفس والنذر، وفي النهاية في حديث طلحة ممن قضى نحبه النحب النذر كأنه ألزم نفسه أن يصدق أعداء الله في الحرب فوفى به وقيل النحب الموت كأنه ألزم نفسه أن يقاتل حتى يموت (ومنهم من ينتظر) أي نحبه (وما بدلوا تبديلا) وأما غير هؤلاء من المؤمنين فقد بدلوا العهد ونقضوه بعد النبي (صلى الله عليه وآله) فارتدوا وخرجوا عن الإيمان، والظاهر أن الجار والمجرور في المواضع الثلاثة مبتدأ على معنى بعضهم وما بعده خبر دون العكس لعدم الفائدة في الإخبار وإن كان العكس هو المعروف بين النحاة وقد صرح بذلك الشريف