إسراف وضياع مال في غير وجهه اللائق به، ولإن يكون ما أردنا من ذلك نفقة في سبيل الله، وردا على ضعفاء المسلمين خير من ذلك. ثم عقدها على ما أشار به المعمار. ولما سقف الوليد الجامع جعلوا سقفه جملونات، وباطنها مسطحا مقرنصا بالذهب، فقال له بعض أهله: أتعبت الناس بعدك في طين أسطحتهم، لما يريد هذا المسجد في كل عام من الطين الكثير - يشير إلى أن التراب يغلو والفعلة تقل لأجل العمل في هذا المسجد في كل عام - فأمر الوليد أن يجمع ما في بلاده من الرصاص ليجعله عوض الطين، ويكون أخف على السقوف. فجمع من كل ناحية من الشام وغيره من الأقاليم، فعازوا فإذا عند امرأة منه قناطير مقنطرة، فساوموها فيه، فقالت: لا أبيعه إلا بوزنه فضة (1)، فكتبوا إلى الوليد فقال: اشتروه منها ولو بوزنه فضة (2)، فلما بذلوا لها ذلك قالت: أما إذا قلتم ذلك فهو صدقة لله يكون في سقف هذا المسجد، فكتبوا على ألواحها بطابع " لله " ويقال إنها كانت إسرائيلية، وإنه كتب على الألواح التي أخذت منها: هذا ما أعطته الإسرائيلية.
وقال محمد بن عائذ: سمعت المشايخ يقولون: ما تم بناء مسجد دمشق إلا بأداء الأمانة، لقد كان يفضل عند الرجل من القوم أو الفعلة الفلس ورأس المسمار فيأتي به حتى يضعه في الخزانة.
وقال بعض مشايخ الدماشقة: ليس في الجامع من الرخام شئ إلا الرخامتان اللتان في المقام من عرش بلقيس والباقي كله مرمر. وقال بعضهم: اشترى الوليد العمودين الأخضرين اللذين تحت النسر (3)، من حرب خالد بن يزيد بن معاوية بألف وخمسمائة دينار. وقال دحيم عن الوليد بن مسلم: ثنا مروان بن جناح عن أبيه قال: كان في مسجد دمشق اثنا عشر ألف مرخم، وقال أبو قصي عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن عمرو بن مهاجر الأنصاري: إنهم حسبوا ما أنفقه الوليد على الكرمة (4) التي في قبلي المسجد فإذا هو سبعون ألف دينار.
وقال أبو قصي: أنفق في مسجد دمشق أربعمائة صندوق من الذهب، في كل صندوق أربعة