أقول: ذكر الشارح في فصل المحرمات من النكاح أن حد الشهوة في المس والنظر الموجبة لحرمة المصاهرة تحرك آلته أو زيادته، به يفتى. وفي امرأة ونحو شيخ تحرك قلبه أو زيادته اه. ونقله القهستاني عن أصحابنا ثم قال: وقال عامة العلماء: أن يميل بالقلب ويشتهي أن يعانقها، وقيل إن يقصد مواقعتها، ولا يبالي من الحرام كما في النظم، وفي حق النساء الاشتهاء بالقلب لا غير اه. وقال القهستاني في هذا الفصل: وشرط لحل النظر إليها وإليه الامن بطريق اليقين من شهوة: أي ميل النفس إلى القرب منها أو منه أو المس لها أو له مع النظر، بحيث يدرك التفرقة بين الوجه الجميل والمتاع الجزيل، فالميل إلى التقبيل فوق الشهوة المحرمة، ولذا قال السلف: اللوطيون أصناف: صنف ينظرون، وصنف يصافحون، وصنف يعملون. وفيه إشارة إلى أنه لو علم منه الشهوة أو ظن أو شك حرم النظر كما في المحيط وغيره اه.
أقول: حاصله أن مجرد النظر واستحسانه لذلك الوجه الجميل وتفضيله على الوجه القبيح كاستحسان المتاع الجزيل لا بأس به، فإنه لا يخلو عنه الطبع الانساني، بل ويجد في الصغر، فالصغير المميز يألف صاحب الصورة الحسنة أكثر من صاحب الصورة القبيحة ويرغب فيه ويحبه أكثر، بل قد يوجد ذلك في البهائم، فقد أخبرني من رأى جملا يميل إلى امرأة حسناء ويضع رأسه عليها كلما رآها دون غيرها من الناس، فليس هذا نظر شهوة، وإنما الشهوة ميله بعد هذا ميل لذة إلى القرب منه أو المس له زائدا على ميله إلى المتاع الجزيل، أو الملتحى لان ميله إليه مجرد استحسان ليس معه لذة وتحرك قلب إليه، كما في ميله إلى ابنه أو أخيه الصبيح، فوق ذلك الميل إلى التقبيل أو المعانقة أو المباشرة أو المضاجعة. ولو بلا تحرك آلة. وأما اشتراطه في حرمة المصاهرة، فلعله للاحتياط، والله تعالى أعلم.
ولا يخفى أن الأحوط عدم النظر مطلقا. قال في التاترخانية: وكان محمد بن الحسن صبيحا، وكان أبو حنيفة يجلسه في درسه خلف ظهره أو خلف سارية مخافة خيانة العين مع كمال تقواه اه. وراجع ما كتبناه في شروط الصلاة. قوله: (لئلا يتوهم أن الأول عين الثاني) لان الثاني معرفة كالأول، وهذه القاعدة ليست كلية. قال تعالى: * (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب) * (المائدة: 48) ويمكن أن يقال: إن أل في الأول والثاني جنسية والمعرف بها في حكم النكرة ط. قوله:
(وكذا الكلام فيما بعد) وهو قوله: ونظر المرأة من المرأة. قوله: (قلت إلخ) يشير إلى أن ما ذكروه من أن المعرفة أو النكرة إذا أعيدت معرفة فهي عين الأول، أو نكرة فغيره إنما هو عند الاطلاق وخلو المقام عن القرائن كما صرح به في التلويح. قوله: (وهي غير بادية) أي ظاهرة. وفي الذخيرة وغيرها:
وإن كان على المرأة ثياب فلا بأس بأن يتأمل جسدها، وهذا إذا لم تكن ثيابها ملتزقة بحيث تصف ما تحتها، ولم يكن رقيقا بحيث يصف ما تحته، فإن كانت بخلاف ذلك فينبغي له أن يغض بصره اه.
وفي التبيين قالوا: ولا بأس بالتأمل في جسدها وعليها ثياب ما لم يكن ثوب يبين حجمها فلا ينظر إليه حينئذ، لقوله عليه الصلاة والسلام: من تأمل خلف امرأة ورأي ثيابها حتى تبين له حجم عظامها لم