(فصل) وأما الشرائط فأنواع بعضها يرجع إلى المظاهر وبعضها يرجع إلى المظاهر منه وبعضها يرجع إلى المظاهر به أما الذي يرجع إلى المظاهر فأنواع منها أن يكون عاقلا اما حقيقة أو تقديرا فلا يصح ظهار المجنون والصبي الذي لا يعقل لان حكم الحرمة وخطاب التحريم لا يتناول من لا يعقل ومنها أن لا يكون معتوها ولا مدهوشا ولا مبرسما ولا مغمى عليه ولا نائما فلا يصح ظهار هؤلاء كما لا يصح طلاقهم وظهار السكران كطلاقه وهو على التفصيل الذي ذكرناه في كتاب الطلاق ومنها أن يكون بالغا فلا يصح ظهار الصبي وإن كان عاقلا لما مر في ظهار المجنون ولان الظهار من التصرفات الضارة المحضة فلا يملكه الصبي كما لا يملك الطلاق والعتاق وغيرهما من التصرفات التي هي ضارة محضة ومنها أن يكون مسلما فلا يصح ظهار الذمي وهذا عندنا وعند الشافعي اسلام المظاهر ليس بشرط لصحة ظهاره ويصح ظهار الذمي واحتج بعموم قوله عز وجل والذين يظاهرون من نسائهم من غير فصل بين المسلم والكافر ولان الكافر من أهل الظهار لان حكمه الحرمة والكفار مخاطبون بشرائع هي حرمات ولهذا كان أهلا للطلاق فكذا للظهار ولنا ان عمومات النكاح لا تقتضي حل وطئ الزوجات على الأزواج نحو قوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين وقوله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم والظهار لا يوجب زوال النكاح والزوجية لان لفظ الظهار لم ينبئ عنه ولهذا لا يحتاج إلى تجديد النكاح بعد الكفارة لان المسلم صار مخصوصا فمن ادعى تخصيص الذمي يحتاج إلى الدليل ولان حكم الظهار حرمة مؤقتة بالكفارة أو بتحرير يخلفه الصوم والكافر ليس من أهل هذا الحكم فلا يكون من أهل الظهار وقد خرج الجواب عما ذكره من المعنى وأما آية الظهار فإنها تتناول المسلم لدلائل أحدها ان أول الآية خاص في حق المسلمين وهو قوله عز وجل والذين يظاهرون منكم فقوله تعالى منكم كناية عن المسلمين ألا ترى إلى قوله سبحانه وتعالى وان الله لغفور رحيم والكافر غير حائز المغفرة وقوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم بناء على الأول والثاني ان فيها أمرا بتحرير يخلفه الصيام إذا لم يجد الرقبة والصيام يخلفه الطعام إذا لم يستطع وكل ذلك لا يتصور الا في حق المسلم والثالث ان المسلم مراد من هذه الآية بلا شك والمذهب عندنا ان العام يبنى على الخاص ومتى بنى العام على الخاص خرج المسلم عن عموم الآية ولم يقل به أحد وأما كونه حرا فليس بشرط لصحة الظهار فيصح ظهار العبد لان الظهار تحريم والعبد من أهل التحريم ألا ترى أنه يملك التحريم بالطلاق فكذا بالظهار ولعموم قوله عز وجل والذين يظاهرون من نسائهم فان قيل هذه الآية لا تتناول العبد لأنه جعل حكم الظهار التحرير بقوله تعالى فتحرير رقبة والعبد ليس من أهل التحرير فلا يكون من أهل حكم الظهار فلا يكون من أهل الظهار فلا يتناوله نص الظهار فالجواب أنه ممنوع أنه جعل حكم الظهار التحرير على الاطلاق بل جعل حكمه في حق من وجد فأما في حق من لم يجد فإنما جعل حكمه الصيام بقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين والعبد غير واجد لأنه لا يكون واجدا الا بالملك والعهد ليس من أهل الملك فلا يكون واجدا فلا يكون الاعتاق حكم الظهار في حقه إذ لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز له التكفير بالاعتاق وكذا بالاطعام إذ الاطعام على وجه التمليك أو الإباحة والإباحة لا تتحقق بدون الملك ولو كفر العبد بهما بإذن مولاه أو المولى كفر عنه بهما لم يجز لان الملك لم يثبت له فلا يقع الاعتاق والاطعام عنه بخلاف الفقير إذا أعتق عنه غيره أو أطعم فإنه يجوز لان الفقير من أهل الملك فثبت الملك له أولا ثم يؤدى عنه بطريق النيابة والعبد ليس من أهل الملك فلا يملك المؤدى فلا يجزيه في الكفارة الا الصيام وليس لمولاه أن يمنعه من صيام الظهار بخلاف صيام النذر وكفارة اليمين لان للمولى أن يمنعه عن ذلك لان صوم الظهار قد تعلق به حق المرأة لأنه يتعلق به استباحة وطئها الذي استحقه بعقد النكاح فكان منعه إياها عن الصيام منعا له عن ايفاء حق مستحق للغير فلا يملك ذلك بخلاف صوم النذر وكفارة اليمين لأنه لم يتعلق به حق أحد فكان العبد بالصوم متصرفا في المنافع المملوكة لمولاه من غير اذنه لا حق لاحد فيه فكان له منعه عن ذلك سواء
(٢٣٠)