بواحد من هذين القولين اللذين لا وجه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم غيرهما وإنما كلف العباد الحكم على الظاهر من القول والفعل وتولى الله الثواب على السرائر دون خلقه وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم " إذ جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله، والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله " إلى قوله " فطبع على قلوبهم " (قال) وقد قيل في قول الله عز وجل " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " ما هم بمخلصين وفى قول الله آمنوا ثم كفروا ثم أظهروا الرجوع عنه قال الله تبارك اسمه " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم " فحقن بما أظهروا من الخلف ما قالوا كلمة الكفر دماءهم بما أظهروا (قال) وقول الله جل ثناؤه " اتخذوا إيمانهم جنة " يدل على أن إظهار الايمان جنة من القتل والله ولى السرائر (قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بسيف فقطعها ثم لاذ منى بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقتله " قلت يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال " قال الربيع معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن شاء الله تعالى فإن قلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال " يعنى أنه بمنزلتك حرام الدم وأنت إن قتلته بمنزلته كنت مباح الدم قبل أن يقول الذي قال " (قال الشافعي) وفى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين دلالة على أمور منها، لا يقتل من أظهر التوبة من كفر بعد إيمان، ومنها أنه حقن دماءهم وقد رجعوا إلى غير يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية ولا دين يظهرونه إنما أظهروا الاسلام وأسروا الكفر فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر على أحكام المسلمين فناكحوا المسلمين ووارثوهم وأسهم لمن شهد الحرب منهم وتركوا في مساجد المسلمين (قال الشافعي) ولا رجع عن الايمان أبدا أشد ولا أبين كفرا ممن أخبر الله عز وجل عن كفره بعد إيمانه فإن قال قائل أخبر الله عز وجل عن أسرارهم ولعله لم يعلمه الآدميون فمنهم من شهد عليه بالكفر بعد الايمان ومنهم من أقر بعد الشهادة ومنهم من أقر بغير شهادة ومنهم من أنكر بعد الشهادة وأخبر الله عز وجل عنهم بقول ظاهر فقال عز وجل " وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " فكلهم إذا قال ما قال وثبت على قوله أو جحد أو أقر وأظهر الاسلام (1) وترك بإظهار الاسلام فلم يقتل فإن قال قائل فإن الله عز وجل قال " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " إلى قوله " فاسقون " فإن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفة صلاة المسلمين سواه لأنا نرجوا أن لا يصلى على أحد إلا صلى الله عليه ورحمه وقد قضى الله " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " وقال جل ثناؤه " استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " فإن قال قائل: ما دل على الفرق بين صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهى عنهم وصلاة المسلمين غيره فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى عن الصلاة عليهم بنهي الله له ولم ينه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها ولا عن مواريثهم فإن قال قائل فإن ترك قتلهم جعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة
(٢٩٦)