لا تقسم فسأنبئكم جميعا، وأخذ بيد همام فدخل المسجد فسبح ركعتين أوجزهما وأكملهما وجلس وأقبل علينا، وحف القوم به، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال:
أما بعد فإن الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، خلق خلقه فألزمهم عبادته وكلفهم طاعته، وقسم بينهم معايشهم، ووضعهم في الدنيا بحيث وضعهم، وهو في ذلك غني عنهم، لا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضره معصية من عصاه منهم، لكنه علم تعالى قصورهم عما تصلح عليه شؤونهم، وتستقيم به دهماؤه في عاجلهم وآجلهم، فارتبطهم بإذنه في أمره ونهيه، فأمرهم تخييرا، وكلفهم يسيرا، وأثابهم كثيرا، وأماز سبحانه بعدل حكمه وحكمته بين الموجف من أنامه إلى مرضاته ومحبته، وبين المبطئ عنها والمستظهر على نعمته منهم بمعصيته. فذلك قول الله عز وجل: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} (1).
ثم وضع أمير المؤمنين صلوات الله عليه يده على منكب همام بن عبادة فقال:
ألا من سأل عن شيعة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم في كتابه مع نبيه تطهيرا:
فهم العارفون بالله، العاملون بأمر الله، أهل الفضائل والفواضل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، بخعوا لله تعالى بطاعته، وخضعوا له بعبادته، فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم، واقفين أسماعهم على العلم بدينهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء رضى عن الله بالقضاء، فلولا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقا إلى لقاء الله والثواب، وخوفا من العقاب.
عظم الخالق في أنفسهم، وصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن رآها فهم على أرائكها متكئون، وهم والنار كمن أدخلها فهم فيها يعذبون، قلوبهم محزونة،