يا أبا ذر، من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر، قلت: وما الثلاث فداك أبي وأمي؟
قال: ورع يحجزه عما حرم الله عز وجل عليه، وحلم يرد به جهل السفيه، وخلق يداري به الناس.
يا أبا ذر، إن سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإن سرك أن تكون أكرم الناس فاتق الله، وإن سرك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله عز وجل أوثق منك بما في يدك.
يا أبا ذر، لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره} (1).
يا أبا ذر، طوبى لمن تواضع لله تعالى في غير منقصة، وأذل نفسه في غير مسكنة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة.
طوبى لمن صلحت سريرته، وحسنت علانيته، وعزل عن الناس شره.
طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله (2).
* ولا عجب بأبي ذر الذي اتعظ بهذه المواعظ، وتأدب بهذه الآداب، أن يقابل الباطل بالحق، ولا يؤثر فيه التهديد حتى أبعد عن دياره، وتحقق ما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقه: يعيش وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، ويدخل الجنة وحده (3).
ولم يؤثر فيه التطميع، فقد أرسل إليه عثمان موليين له ومعهما مائتا دينار، فقال لهما: انطلقا إلى أبي ذر، فقولا له: إن عثمان يقرؤك السلام، ويقول لك هذه مائتا دينار فاستعن بها على ما نابك. فقال أبو ذر: هل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قالا: لا، قال: إنما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسع المسلمين،