فيه إلى الأصلح والأنفع والأحوج، وإيجاد الأرضية الصالحة والإمكانيات بقدر الحاجة.
وقد عقد ابن خلدون في الفصل الحادي والأربعين من الفصل الثالث من كتابه الأول فصلا بديعا بعنوان أن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا مفسدة للجباية.
وقد ذكرنا نحن محصل كلامه بتناسب ما في أوائل المجلد الثاني من هذا الكتاب نعيده هنا تتميما للفائدة:
" إن استحداث التجارة والفلاحة للسلطان غلط عظيم وإدخال الضرر على الرعايا من وجوه متعددة: فأولا مضايقة الفلاحين والتجار في شراء الحيوان والبضائع وتيسير أسباب ذلك، فإن الرعايا متكافئون في اليسار متقاربون، وإذا رافقهم السلطان في ذلك ماله أعظم كثيرا منهم فلا يكاد أحد منهم يحصل على غرضه في شيء من حاجاته يدخل على النفوس من ذلك غم ونكد.
ثم إن السلطان قد ينتزع الكثير من ذلك إذا تعرض له غضا أو بأيسر ثمن أو لا يجد من يناقشه في شرائه فيبخس ثمنه على بائعه.
ثم إذا حصل فوائد الفلاحة وحصلت بضائع التجارة فلا ينتظرون به حوالة الأسواق إنفاق البياعات لما يدعوهم إليه تكاليف الدولة فيكلفون أهل تلك الأصناف من تاجر أو فلاح بشراء تلك البضائع ولا يرضون في أثمانها إلا القيم وأزيد فيستوعبون في ذلك ناض أموالهم وتبقى تلك البضائع بأيديهم عروضا جامدة وربما تدعوهم الضرورة إلى شيء من المال فيبيعون تلك السلع على كساد من الأسواق بأبخس ثمن.
وربما يتكرر ذلك على التاجر والفلاح منهم بما يذهب رأس ماله فيقعد عن سوقه يتكرر ويدخل به على الرعايا من العنت والمضايقة وفساد الأرباح ما يقبض آمالهم عن السعي ويؤدي إلى فساد الجباية.
فإذا انقبض الفلاحون عن الفلاحة وقعد التجار عن التجارة ذهبت الجباية