فإن دفع إلى رجل أرضا وقال: اغرسها كذا وكذا على أن ما رزق الله من غرس فيها كان بيننا نصفين، والأرض بيننا نصفين، نصف الأرض بعملك وغرسك، ونصف الغرس لي بأرضي، فإن هذه معاملة فاسدة، ليست شركة لأن المالين لا يختلطان، ولا قراض لأن من العامل العمل والمال معا.
فإذا ثبت أنها فاسدة كان لرب الأرض أرضه لأنها عين ماله، وللعامل غرسه لأنه عين ماله، لا يملك أحدهما على صاحبه ما بذله، فرب الأرض لا يملك نصف الغراس لأنه باع معلوما وهو نصف أرضه بمجهول، وهو نصف الغراس وعمل العامل، والعامل لا يملك نصف نصف الأرض لأنه اشترى معلوما بمجهول، فإذا ثبت أن لكل واحد منهما عين ماله، فلرب الأرض على الغارس أجرة مثل أرضه لأنه غرسها بغير حق.
فإن أراد رب الأرض قلع الغراس نظرت: فإن لم يكن على الغراس نقص بالقلع مثل أن غرسه قريبا، أو بعيدا إن تصور أنه لا ينقصها بالقلع، كان له مطالبة الغارس بالقلع لأنه لا ضرر عليه في غرسه بتحويله كما لو صب طعاما في دار غيره بغير حق، فعليه نقله وتحويله لأنه لا ضرر عليه في طعامه بنقله.
وإن كان الغراس يستضر بالقلع وينقص به قلنا لرب الأرض: لك الخيار بين ثلاثة أشياء، إما أن يقلعه وعليك ما نقص، أو تعطيه قيمته ليكون الغرس مع الأرض لك، أو تقره في أرضك ولك الأجرة حتى ننظر ما الذي يقول الغارس.
ولو كان مكان الغرس زرع كان عليه أن يقره في أرضه وله أجرة مثله، والفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: ضرر الزرع يقل لأن له غاية إذا انتهى إليها حصد، فلهذا أقره فيها بالأجرة، وليس كذلك الغراس لأن ضرره يكثر، فإنه لا غاية له إذا انتهى إليها قلع، فلهذا لم يكن عليه أن يقره بالأجرة.
والثاني: لا قيمة للزرع بعد قلعه، فلهذا لزمه أن يقره في أرضه بأجرة، وليس كذلك الغراس لأن له قيمة بعد قلعه فلهذا أجبرناه على قلعه.