وإن قدر العمل فلا بد من مشاهدة الأرض التي يريد أن يحفر فيها، لأنها تختلف في الرخاوة والصلابة، ولا بد من تقدير العرض والعمق، فيقول: قدر عرضه كذا ذراعا وقدر عمقه كذا وكذا ذراعا، وتقدير ذلك بالذراع الذي هو معتاد بين الناس كما يقول في المكيال.
فإذا استأجره على ذلك وأخذ ليحفرها فانهار عليه الجرف، فحصل تراب الجرف في البئر فانطم بعضها، كان على المستأجر إخراجها ولا يجب على الأجير لأنه ملك المستأجر حصل في تلك الحفيرة، فهو بمنزلة ما لو وقع فيها طعام له أو دابة له أو تراب من موضع آخر، وإن وقع من تراب البئر فيه لزم الحفار إخراجه لأن ذلك مما تضمنه العقد، لأنه استؤجر ليحفر ويخرج التراب.
وإن استقبله حجر نظرت: فإن أمكن حفره ونقبه لزمه وإن كان عليه مشقة فيه لأنه التزم الحفر بالعقد فيلزمه على اختلاف حاله، وإن لم يمكن حفره ولا نقبه انفسخ العقد فيما بقي، ولا ينفسخ فيما حفر على الصحيح من الأقوال، ويقسط على أجرة المثل لأن الحفر يختلف، فحفر ما قرب من الأرض أسهل لأنه يخرج التراب من قرب وحفر ما هو أبعد أصعب نظر: فإن كان أجرة المثل على ما بقي عشرة، وفيما حفر خمسة أخذ ثلث المسمى، وقد روى أصحابنا في مثل هذا مقدرا ذكرناه في النهاية.
وعلى هذا إن نبع الماء قبل انتهاء الحد ولم يمكن الزيادة على الحفر، فالحكم على ما ذكرناه في الحجر إذا استقبله ولم يمكن حفره.
وأما الاستئجار لحفر الأنهار والقنى فإنه يجوز، ويقدر ذلك بالزمان وبالعمل، فإن قدره بالزمان مثل أن يقول: استأجرتك لتحفر لي نهرا أو قناة كذا وكذا يوما، وإن قدره بالعمل أراه الأرض، وقدر العرض والعمق والطول، لأنه لا يصير معلوما إلا كذلك.
وإن استأجره لضرب اللبن جاز لما ذكرناه، ولا يجوز حتى يكون معلوما، إما بالزمان ما شاء من الأيام، أو يقدره من العمل بعد أن يشاهد الموضع الذي