وديعة يجب عليه ردها، لكن جهلت عينها فوجب ضمانها في ماله، كما لو كانت عنده وديعة فدفنها وسافر ولم يطلع عليها أحدا، فإن الضمان يجب عليه بالسفر، والموت في هذا المعنى واحد.
إذا خلط الوديعة بماله خلطا لا يتميز، مثل أن كانت دراهم فخلطها بدراهم أو دنانير فخلطها بدنانير أو طعاما فخلطه بطعام مثله، سواء كان ما خلطه بها مثلها أو دونها، فإنه يضمن، وقال قوم: إن خلطها بما هو مثلها لم يضمن، وإن خلطها بما هو دونها ضمن.
إذا أودعه دراهم أو دنانير فأنفقها ثم رد مكانها غيرها لم يزل الضمان، وقال قوم: يزول لأن عند هذا القائل له إنفاق الوديعة، وأقل الأقسام أن يكون دينا في ذمته والدين في ذمته أحفظ للمودع من الحرز، وهذا باطل، لأنه تعدى ولزمه الضمان، وزواله يحتاج إلى دليل.
ولو أمره أن يكري دابته لحمل القطن فأكراها لحمل الحديد ضمن، لأن الحديد يضر بالدابة ما لا يضر به القطن، وإن أذن له أن يكريها لحمل الحديد فأكراها لحمل القطن ضمن لمثل ذلك، ولأنه خلاف المأذون فيه لا لضرورة، وإن أذن له أن يكريها للركوب فحمل عليها رجلا جسيما ضخيما عظيم الجثة ضمن، لأن العادة لم تجر بركوب مثل هذا فلم يتضمن إذنه ذلك فلذلك ضمن.
وإن أذن له أن يكريها للركوب بسرج فأكراها عريانا رجع إلى أهل الخبرة، فإن قالوا: ركوبها بالسرج أخف، لزمه الضمان، وإن قالوا: ركوبها عريانا أخف من ركوبها بسرج، لم يضمن، لأن له أن يؤجرها لما ضرره ضرر ما جرى به الإذن، ويقوى عندي أنه يضمن على كل حال لأنه خالف المأذون فيه.
وإذا ادعى رجلان وديعة وقال المودع: هي لأحدكما، ولا أدري أيكما هو، قيل لهما: هل تدعيان شيئا غير هذا بعينه؟ فإن قالا: لا، حلف المودع أنه لا يدري لأيهما هو، ووقف لهما جميعا حتى يصطلحا فيه أو يقيم أحدهما البينة، وأيهما حلف مع نكول صاحبه كان له.