وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الوليد بن عبد الله - وهو ابن جميع - عن أبي الطفيل أن امرأة أصابها الجوع فأتت راعيا فسألته الطعام فأبى عليها حتى تعطيه نفسها، قالت فحثى لي ثلاث حثيات من تمر، وذكرت أنها كانت جهدت من الجوع فأخبرت عمر فكبر وقال: مهر مهر مهر، ودرأ عنها الحد.
قال أبو محمد (رحمه الله): قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنى إلا ما كان مطارفة، وأما ما كان فيه عطاء واستئجار فليس زنى ولا حد فيه، وقال أبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأصحابنا وسائر الناس: هو زنى كله وفيه الحد.
وأما المالكيون والشافعيون فعهدنا بهم يشنعون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف إذا وافق تقليدهم، وهم قد خالفوا عمر (رض) ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم بل هم يعدون مثل هذا إجماعا، ويستدلون على ذلك بسكوت من بالحضرة من الصحابة عن النكير لذلك (فان قالوا): إن أبا الطفيل ذكر في خبره أنها قد كان جهدها الجوع (قلنا لهم): وهذا أيضا أنتم لا تقولون به ولا ترونه عذرا مسقطا للحد، فلا راحة لكم في رواية أبي الطفيل، مع أن خبر أبي الطفيل فيه أن عمر عذرها بالضرورة، بل فيه أنه درأ الحد من أجل التمر الذي أعطاها وجعله عمر مهرا.
وأما الحنفيون المقلدون لأبي حنيفة في هذا فمن عجائب الدنيا التي لا يكاد يوجد لها نظير أن يقلدوا عمر في إسقاط الحد هيهنا بأن ثلاث حثيات من تمر مهر، وقد خالفوا هذه القضية بعينها فلم يجيزوا في النكاح الصحيح مثل هذا وأضعافه مهرا، بل منعوا من أقل من عشرة دراهم في ذلك. فهذا هو الاستخفاف حقا والأخذ بما اشتهوا من قول الصاحب حيث اشتهوا ما اشتهوا تركه من قول الصاحب إذا اشتهوا، فما هذا دينا وأف لهذا عملا إذ يرون المهر في الحلال لا يكون إلا عشرة دراهم لا أقل، ويرون الدرهم فأقل مهرا في الحرام، إلا أن هذا هو التطريق إلى الزنى وإباحة الفروج المحرمة وعون لإبليس على تسهيل الكبائر، وعلى هذا لا