ولكن... ما العمل؟! وأين نمضي بهذا الغم العظيم حيث صار الحج مهجورا كالقرآن؟! إنه كما خفي عنا كتاب الحياة والكمال والجمال هذا في الحجب التي صنعناها، وكما دفنت خزانة أسرار الخليقة في جوف أكداس تربة أفكارنا العوجاء، وهبط لسان الأنس والهداية والحياة إلى لسان الوحشة والموت والقبر... فكذلك مني الحج بهذا المصير! فصار من عاقبة الأمر أن ملايين المسلمين يقصدون " مكة " كل عام، ويضعون أقدامهم على أرض وطأها " النبي " و " إبراهيم " و " إسماعيل " و " هاجر "... ولكن لا أحد يسأل نفسه: من إبراهيم ومحمد (عليهما السلام)؟ وماذا فعلا؟ وما كان هدفهما؟ وما يريدان منا؟
والخلاصة أن على المسلمين جميعا أن يجدوا في تجديد حياة الحج والقرآن الكريم، وفي إعادتهما إلى ميادين حياتهم " (1).
بعد التأمل في روايات أهل البيت (عليهم السلام) يتبين أن إفراغ الحج من جهتيه السياسية والاجتماعية إنما هو مؤامرة خطرة، لها جذور في التاريخ الإسلامي. وقد اجتهد أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بكل ما يمكن، ليبصروا الناس بهذه المؤامرة، حتى إنهم عدوا الحج الخالي من الجهة السياسية والاجتماعية حج الجاهلية.
ولا ريب أنه في اليوم الذي يتخذ فيه الحج موضعه الواقعي في العالم الإسلامي، ويؤدي فيه المسلمون هذه الفريضة الإلهية ببصيرة وبنحوه اللائق سيأخذ الإسلام مقاليد العالم ويتمكن آنذاك من الحكم على العالم، نأمل بلوغ ذلكم اليوم.
وهذا الكتاب يجلي أصول الحج الإبراهيمي المحمدي صلوات الله عليهما، من متن الكتاب والسنة. وقد حرصنا على عرض كلتا جهتي الحج الفردية والاجتماعية من خلال النصوص الإسلامية، وعلى بيان أهم قضايا السفر إلى الحرمين الشريفين التي ينبغي أن يعتني بها زائر وبيت الله والروضة النبوية المنورة.