اجماع اجتهادي، أي إن البحث في الدلالة، فهم قد فهموا من تلك الأخبار نجاسته، وبحذائهم قوم لم يفهموا ذلك ولم يستظهروه منها بل استفادوا و استظهروا منها الطهارة، لكنهم يرون أنفسهم في معرض الاتهام لو أفتوا بما تحقق عندهم أو أنهم كانوا يراعون الأدب بالنسبة إلى الأعاظم ورؤساء المذهب القائلين بالنجاسة فلم يبدون ما علموا واستمروا على ذلك، إلى أن تجرأ بعض وفتح باب المخالفة وأفتى فرقة ضئيلة بالطهارة نظرا إلى كون رواياتها أقوى عندهم و بمجرد افتتاح هذا الطريق الصعب أقبل المتأخرون إليه واتبعوا هذه الجماعة القليلة فرحين بذلك فأفتوا بالطهارة مع كونهم بحيث نعرفهم بعدم بناء هم على مخالفة الأخبار أو الخروج عن مقتضى الأدب بالنسبة إلى ساحة الأكابر، والقدماء الأخيار، والسلف الأبرار، بل كان لهم كمال الاهتمام بالأدب إلى مقامهم العظيم وشأنهم الرفيع وهذا هو الديل على كونه اجتهاديا وعدم وجود عرق أصيل للمسألة حيث إنهم مع غاية اهتمامهم بكلمات الأعلام السابقين اتفقوا على خلافهم حتى أن الفقيه الهمداني رضوان الله عليه دعا لهم وشكر مساعي من أبدى المخالفة وهون الخطب 1 هذا حال تلك المسألة.
وأما مسئلتنا هذه فقد خالف المحقق السبزواري مثلا رأي القدماء، وأفتى بطهارتهم، ولكنهم لم يتبعوا بل كل من قال بالطهارة تركه العلماء وحيدا و رفضوا كلامه، وأعرضوا عن طريقه جدا فكم فرق بين مسئلتنا التي تدل عليها الآية الكريمة، وظاهر الروايات تبعيتها - غاية الأمر أنه وردت أخبار في طهارة أهل الكتاب المعلوم صدورها تقية من أهل السنة والحكام الظالمين - وبين مسألة البئر التي هي اجتهادية محضة، وافتاء القدماء فيها بخلاف أخبار الطهارة لا يوجب طرحها.