الأمور وجريانها تقتضي قتل الحربي دون المتسالم الذي يعطي الجزية، و من المعلوم أن هذه الأحكام معدودة مضبوطة مستفادة من أدلة خاصة وإلا فلا فرق بين أصناف الكفار، هذا، وقد فسرت الآية في كلمات المفسرين على نحو ما ذكرناه.
إن قلت: فإذا كان المشركون نجسا لا لخصوصية شركهم بل بملاك كفرهم كما ذكر فما وجه العدول عما هو الملاك التام إلى غيره؟ ولماذا لم يقل الله تعالى: إنما الكافرون نجس؟
نقول: لعل ذلك لأن الكافر الذي يدخل المسجد الحرام وكان بينه و بين المسلمين ارتباط ومواصلة ويتكاتفون معه في التجارات وترويج الأسواق والذي ابتلى به المسلمون كان كافرا خاصا وهو المشرك وأما الآخرون فلم يكن لهم اهتمام بالمسجد بل كانوا - كما تعلم - يأتون بالفيل لهدم أساسه وتخريب بنيانه قال الله سبحانه: " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل. " 1 والحاصل: أن الآية نازلة حسب حوائجهم وابتلائاتهم ومطابقة لشؤونهم و حالاتهم وإلا فالكفر بواقعه ملة واحدة في أي صورة وحالة وعلى اختلاف شعبه وتشتت مناهجه وأغصانه ومهما تغير شكله وتبدلت ألوانه.
وأما ما ترى من قبول الجزية من اليهود والنصارى دون غيرهما من أصناف الكفار فهو لمكان اعترافهم بالله وقبول الأنبياء والكتب السماوية خصوصا بلحاظ احتوائها لأخبار خاتم النبوات فهم لا محالة في معرض الانتباه والاستبصار، وينتظر منهم الرجوع، واقبالهم إلى الاسلام واعتناقهم به بخلاف المشركين والملحدين فإنه لا يظن بهم ولا يرتجى منهم ذلك غالبا. فالجزية و غيرها من الأحكام الخاصة الأخرى الجارية في خصوص اليهود والنصارى لا