تذكرة أولى الألباب - الشيخ داود الأنطاكي - ج ١ - الصفحة ١١
وحده أو سائر الاخلاط معه؟ ذهب جماعة منهم صاحب الشافي إلى الأول محتجين بأن النمو والتحليل لا يكونان إلا من الألطف ولا ألطف من الدم لحرارته ورطوبته وفائدة الغذاء ليس إلا الأمران المذكوران فيكون هو الغاذي والصغرى باطلة لان التحليل بالرياضة ولا شك في اختلافها فيكون منها كالصراع محللا للأصلب قطعا وإلا لتساوى نحو الصراع والمشي والخفيف وكذا الكلام في النمو.
وأما احتجاجهم بأن النمو غير محسوس للطافة ما يدخل وهو الدم وبأنه لو كان الغاذي كل خلط على انفراده لاختلفت أجزاء البدن فمردود بأن النمو طبيعي فلا يحسن وإن كثف وبأن اختلاف أجزاء البدن قطعي. على أنا لا نقول بأن الخلط يغذى منفردا بل هي ممتزجة بقانون العدل لما مر في علة التربيع وبهذا سقط ما قاله في الشافي من أنه لو غذى كل خلط وحده عضوا مخصوصا لكان اللحم لاغتذائه بالدم أفضل من الدماغ على أنا لا نمنع زيادة البلغم في غذاء الدماغ ولان الحكيم كونه باردا رطبا لأجل التعديل بمقابلة القلب فلو غذاه الدم وحده لفات هذا القصد وتكلفه بأن الدم متشابه الاجزاء حسا مختلف معنى وإلا لتشابهت الأعضاء مبنى على أن الغاذي هو الدم وحده وقد علمت بطلانه وأما احتجاجه بأن الغاذي لو كان من الاخلاط الأربعة ممتزجة للزم أن لا يسهل الدواء خلطا بعينه ولم يقع مرض من خلط مفرد ولم يحتج إلى تمييزها في الكبد ولكانت الاخلاط خمسة للمفردات والمركب فغفلة منه وسفسطة لان ما يميزه الدواء ويوجب المرض هو الزائد الكائن من نحو إفراط الشاب الهندي صيفا في أكل العسل إذا اعترته حمى صفراوية لان الغاذي ملائم والمرض مناف وإلا لتساويا ولكان الاسهال ينقص جوهر الأعضاء وأما التمييز فللمنافع المذكورة وهو بعض من الخلط لا كله، وأما أن الاخلاط خمسة فلا مانع بل هي ثمانية كما سبق وإنما المراد بالأربعة الحاصلة من كل مركب بواسطة الكيفيات لا الممكن الانقسام بعد التوليد وأما قول الشيخ في الشفاء إن الغاذي في الحقيقة هو الدم والاخلاط كالأبازير فقد قررنا في بعض حواشينا عليه أن معنى هذا الكلام أن الاخلاط داخلة في التغذية مع مزيد فوائد أخذا من المقاس عليه ولذلك قال في الحقيقة الدقيقة لا تخفى على الذوق السليم، والثاني هو الأصح وعليه الطبيب والأكثر لظهور الاخلاط في الدم وتغذية المختلفات كما عرفت.
(تنبيهات: الأول) قد ثبت أن البلغم كطعام لم ينضج والدم كمعتدل النضج والصفراء كمجاوز الاستواء ولم يحترق والسوداء كمحترق ولا شك في جواز تبليغ القاصر مرتبة الذي بعده وهكذا فهل يجوز العكس فتصير السوداء صفراء قال به قوم محتجين بأن إفراط المحموم بالصفراء في المبردات يردها باردة كانقلاب البرسام ليثرغس والصحيح عدم جوازه وإلا لجاز كما قال ابن القف انقلاب اللحم المتهري نيئا (الثاني) اختلفوا في نسبة الاخلاط بعضها إلى بعض فكاد ينطبق الاجماع على أن الأكثر الدم ثم البلغم ثم الصفراء ثم السوداء ثم قال ابن القف إن نسبها تعرف من الفترات والنوب في الحمى فيكون البلغم سدس الدم والصفراء سدس البلغم والسوداء ثلاثة أرباع الصفراء وفيه نظر لان حمى الدم مطبقة وفترة البلغم ستة فينبغي أن تكون ربعا والصحيح عندي أن النسب تابعة للغذاء فأكثر المتولد من مرق لحوم الفراريج وصفرة البيض في البدن المعتل الدم ثم الصفراء للطف الحرارة ثم البلغم للطف الرطوبة بعدها والعكس في نحو لحم البقر (الثالث) أن طبائع الاخلاط على ما تقرر سابقا عند الجمهور وقال في الشفاء إن جماعة من الأطباء يرون برد الصفراء محتجين بما يحصل من القشعريرة وحر السوداء لصبر صاحبها على البرد وهو فاسد قطعا لان الأول مناقض ظاهرا وإلا لم يحتج صاحبه إلى الماء والثاني للصلابة بفرط اليبس (الرابع) اختلفوا في المهضم فقال الجمهور
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 المقدمة بحسب ما أسلفناه وفيها فصول: 4
3 فصل في تعداد العلوم وغايتها وحال هذا العلم معها 4
4 فصل ولما كان الطريق إلى استفادة العلوم إما الإلهام أو الفيض المنزل الخ 5
5 فصل وإذا قد عرفت المنزع والدستور في تقسيم العلوم فينبغي أن تعرف أن حال الطب معها على أربعة أقسام 7
6 فصل ينبغي لهذه الصناعة التعظيم والخضوع لمتعاطيها لينصح بذلها وكشف دقائقها 8
7 (الباب الأول في كليات هذا العلم والمدخل إليه 9
8 فصل وإذا كمل البدن مستتما بهذه الأمور صار حينئذ معروض أمور ثلاثة 13
9 فصل ومما يلحق بهذه الأسباب أمور تسمى اللوازم 15
10 فصل ومما يجري مجرى اللوازم الأحوال الثلاثة أعني الصحة والمرض والحالة المتوسطة 15
11 فصل ولما كانت هذه الأمراض قد تخفى على كثير كانت الحاجة مشتدة إلى إيضاحها الخ 16
12 فصل اعلم أن التناول أما فاعل بالمادة والكيفية ذاتا وعرضا وهو الغناء الخ 17
13 (الباب الثاني) في القوانين الجامعة لأحوال المفردات والمركبات الخ 19
14 فصل اعلم أن كل واحد من هذه المفردات والمركبات الخ 19
15 فصل وإنما كان التداوي والاغتذاء بهذه العقاقير للتناسب الواقع بين المتداوي والمتداوى به 20
16 الفصل الثاني في قوانين التركيب وما يجب فيه من الشروط والأحكام 30
17 (الباب الثالث) في ذكر ما تضمن الباب الثاني أصوله من المفردات والأقراباذينات 32
18 حرف الألف 33
19 حرف الباء 65
20 حرف التاء 90
21 حرف الثاء 100
22 حرف الجيم 102
23 حرف الحاء 113
24 حرف الخاء 135
25 حرف الدال 149
26 حرف الذال المعجمة 160
27 حرف الراء 164
28 حرف الزاي 172
29 جرف السين المهملة 185
30 حرف الشين 207
31 حرف الصاد 221
32 حرف الضاد المعجمة 225
33 حرف الطاء المهملة 229
34 حرف الظاء المعجمة 234
35 حرف العين المهملة 235
36 حرف الغين المعجمة 242
37 حرف الفاء 246
38 حرف القاف 253
39 حرف الكاف 265
40 حرف اللام 277
41 حرف الميم 286
42 حرف النون 326
43 حرف الهاء 334
44 حرف الواو 338
45 حرف الياء 340