المعروف وافتنا والليل قد حط رواقه وحل نطاقه والصبح قد بسط رداءه ورفع لواءه والجو قد أخذ زيه الأحسن ونشر مطرفه الأدكن والندى طل والنسيم مبتل والمزن منسجم وثغر الصبح مبتسم ونحن نبوح بما في الصدور ونطير بأجنحة السرور فوضعت الوردة على الرؤوس وأديرت مع الكؤوس ونطقت الأوتار فمع كل نفرة نبرة ومع كل نبرة نعرة ومع كل ضربة طربة ومع كل طربة شربة ولكل ذي فطنة فتنة ولكل ذي توبة أوبة ومع كل ذكرة فتره وعند كل لفته حسرة ومع كل دورة سكرة وله من كتاب صدر من بغداد كتابي أطال الله تعالى بقاء الشيخ وقد محى الشوق اصطباري وحل الشيب يلعب في عذاري (وما أن شبت من كبر ولكن * لقيت من الحوادث ما أشابا) والهموم إذا لقيت الصخر أذابته ففيم أتعجب ومنها أن لقيت الشعر فأشابته ووصل كتابه فأعاد الروض الممطور والوشي المنشور ووجدت كلامه يستفيد تحت مر الأيام ما يستفيد الروض تحت صوب الغمام فيزداد قوة أصول وبهجة فصول (مثل الهلال بدا فلم يبرح به * صوغ الليالي فيه حتى أقمرا) فهو بحمد الله كما يلتقي الوشيان وشي الربى ووشي البرود ويجتمع الوردان ورد الجنى وورد الخدود غير أن رقة الشكوى تركته دمعا ينسكب وجمرا يلتهب وعلمت أنه صدر عن صدر واف وود صاف فإن اللسان يؤدي عن القلب ما يخفيه وإنما يرشح كل إناء بما فيه وبحسن الكلام تعرف صدق الوداد وفي خضرة الروض تحسن آثار العهاد (ومما قالت الحكماء قدما * لسان المرء من خدم الفؤاد)
(٢٣٤)