في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، إذ لا حيرة بين التشبيه والتعطيل، ولا اضطراب بين الجبر والتفويض، لا هذا ولا ذاك، بل هو التوحيد الخالص الذي ينسجم مع عظمة الخالق جل جلاله، وينزهه عن كل الأوهام والظنون.
ولقد عجت خطب نهج البلاغة بما يصور أرقى معاني التوحيد وأكملها، وامتلأت كلمات الإمام زين العابدين عليه السلام في صحيفته الرائعة (الصحيفة السجادية) بتلك المعاني.
وإتماما للمعنى فقد انتخبنا بعض المقاطع من خطبة أمير المؤمنين عليه السلام المعروفة بخطبة الأشباح، يرويها الإمام الصادق عليه السلام، فيقول:
إن رجلا أتاه فقال له: يا أمير المؤمنين، صف لنا ربنا مثلما نراه عيانا لنزداد له حبا وبه معرفة، فغضب ونادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال:
" الحمد لله الذي لا يفره المنع والجمود، ولا يكديه الإعطاء والجود...
الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شئ بعده، والرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه...
فانظر أيها السائل: فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به واستضئ بنور هدايته، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى الله سبحانه...
هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته، وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته، ردعها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب، متخلصة