إحداهما: ما رويناه عن محمد بن إسحاق في شكوى الذين كانوا مع الأمير كرم الله وجهه في اليمن، كبريدة الأسلمي، وخالد بن الوليد، وغيرهما، ولم يمنع صلى الله عليه وآله وسلم الشاكين بخصوصهم، مبالغة في طلب موالاته، وتلطفا في الدعوة إليها، كما هو الغالب في شأنه صلى الله عليه وآله وسلم في مثل ذلك.
وللتلطف المذكور افتتح الخطبة بقوله: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ".
وثانيهما: قوله صلى الله عليه وآله وسلم على ما في بعض الروايات:
" اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
فإنه لو كان المراد من المولى المتصرف في الأمور، أو الأولى بالتصرف، لقال صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم وال من كان في تصرفه، وعاد من لم يكن كذلك، فحيث ذكر النبي المحبة والعداوة فقد نبه على أن المراد إيجاب محبته كرم الله وجهه، والتحذير من عداوته وبغضه، لا التصرف وعدمه.
ولو كان المراد الخلافة لصرح صلى الله عليه وسلم بها، ويدل على ذلك ما رواه أبو نعيم عن الحسن المثنى بن الحسن السبط (رض) أنهم سألوه عن هذا الخبر: هل هو نص على خلافة الأمير كرم الله وجهه؟
فقال: لو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد خلافته، لقال: أيها الناس، هذا ولي أمري، والقائم عليكم بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا.
قال: وأيضا ربما يستدل على أن المراد بالولاية المحبة، بأنه لم يقع التقييد بلفظ (بعدي) والظاهر حينئذ اجتماع الولايتين في زمان واحد، ولا يتصور الاجتماع على تقدير أن يكون المراد أولوية التصرف، بخلاف ما إذا كان المراد المحبة.
وقال: وتمسك [آخرون] في إثبات أن المراد بالمولى الأولى بالتصرف،