كله الله، وهناك فتن يقذف بها تيارات الهدم، فلا بد من التصدي لها وكشف أوتاد النفاق فيها (1). والمال والبنون لا يمكن مخاصمتهما وهما من الفتن، إنما يتم التعامل معهما بميزان الله تعالى. إن المخاصمة لا يستقيم مع حركة الوجود، والذي يستقيم هو التعوذ من مضلات الفتن.
وعلى ما سبق لا نوافق بأن توضع بذرة الإرجاء على أرضية اعتزال الصحابة أيام قتال أمير المؤمنين علي ومعاوية، لأن التاريخ يشهد بأن هذه البذرة وضعت من أجل احتناك الكثير من عباد الله، ولتتعانق شجرتها مع شجرة الجبرية في ليل واحد. وبذرة المرجئة أمام الناقد البصير شربت من نفس الماء الذي شرب منه الجبرية، وصبت ثمارها في سلتهم بصورة أو بأخرى. لقد دخلوا من باب الفلسفة، والفلسفة عندما تكون أجوبتها عقلية أو منطقية، تولد عن الإنسان قناعة فكرية بما سمع. أما إذا جعلت الجمود لها مادة والمتاهات لها ديار، ثم دخلت من باب القضاء والقدر، فهنا تكمن الكارثة. لأن هناك الكثير من بني الإنسان يؤثر عليهم الكلام في القضاء والقدر، وينتهي بهم التفكير في مسائله إلى عدة طرق: إما متشائمين، وإما مستسلمين، أو مضطربين فكرا أو سلوكا. وهذا التفكير يدفع بأصحابه في أحد طريقين: إما طريق الاستسلام للقدر نتيجة لفهمهم الخاص، وإما أن ينسبوا إلى الله تعالى الظلم أو يكفروا به مطلقا، أو يكفروا به وهم لا يشعرون. وإذا كان بنو أمية وأهل الكتاب هم الذين يشرفون على مطبخ الفلسفة فلا خير يرجى من عندهم.
لقد التقط الوليد بن عبد الملك بذرة الإرجاء التي تركها له والده (2). ومن الذين جهزوا وزودوا تيار الإرجاء يوحنا الدمشقي، الذي كان يتمتع بشهرة كبيرة في عاصمة الأمويين، وكان يقوم ببحوث دينية في الوقت الذي كان الناس يتحدثون فيه عن الإرجاء (3)، ولقد ذكر أكثر من واحد أن هناك صلة بين مبادئ