بالقتال على الدنيا، وتفرق المسلمون أثر السياسة التي اتبعتها الدولة، وضعف أمر الدين وتغلبت المطامع والأهواء على عقول المسلمين، وصدت الدولة كل دعوة تدعو المسلمين للاحتفاظ بعقيدتهم الحقة، ووقف العامة والغوغاء حاجزا أمام الدعاة المصلحين الذين دعوا الأمة للتمسك بسيرة السلف الصالح من المهاجرين والأنصار. وكان الرعاع دعاة سوء. وملتقى كل من يريد هدم الإسلام، وحولوا القوة التي حصنها الإسلام لصالحهم الخاص، وجردوا السيف على رقاب الأئمة والقادة والعلماء لأنهم لم يسيروا في ركابهم.
وعندما اشتغل المسلمون بالفتن الداخلية، وجانبوا تعاليم القرآن، اندس بين المسلمين رجال دخلوا في الإسلام من فرس ونساطرة ويعاقبه ويهود، وتزينوا بزي العلماء وأظهروا المحافظة على تعاليم القرآن. ثم أدخلوا عقائدهم السابقة من القول بالحلول والقدر والجبر في عقيدة المسلمين، وفسروا آيات كتاب الله حسب ما يؤيد ما يذهبون إليه. ففريق أخذ بظاهر تلك الآيات، وفريق آخر أولها، فنشأت القدرية في ثوبها الجديد، وبالغ القدري في القدر، فجعل العبد خالقا لأفعاله، وبالغ الجبري في مقابلته فسلب عنه الفعل والاختيار، وبالغ المعطل في التنزيه فسلب عن الله صفات الجلال ونعوت الكمال، وبالغ المشبه في مقابلته، فجعله كواحد من البشر له وجه ويدين (1).
وهكذا عصفت رياح الفتن داخل الجماجم البشرية في الدولة الأموية التي قاتلت أصحاب العلم وجاؤوا بما قاله المشركون عند البعثة النبوية ولكن في ثوب جديد براق. ولقد اتفق العلماء كافة على أن القول بالقدر شاع في الدولة الأموية، وأن الدولة احتضنت هذا التيار وتبنته حتى ترعرع على تربتها (2)، وفكرة القضاء والقدر التي طرحتها أجهزة الصد عن سبيل الله هدفها وضع العالم في حيرة واضطراب فكري، ينتج عن ذلك عدم تقديس الشرائع، وعدم التقيد