كيف وهؤلاء لا يجزون الفرقة ولا يلقون تحية ولا سلاما. وكانت هناك أسئلة عن قيمة العمل وقيمة حركة الإنسان في عالم الابتلاء والاختبار. فالله تعالى قرن الإيمان والعمل في حبل واحد فقال: (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات) (1). وميز سبحانه بين عمل المؤمن وبين عمل المفسد، فقال: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض) (2)، وقال: (وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ) (3). فأين هذا من الذي يجري في الساحة؟ فهذه الأسئلة وغيرها كانت تطرح على أرض الواقع، الذي اعتمد حكامه مذهب الجبرية إماما لهم، وأمام هذه الأسئلة تجرح القاضي وهو في الوقت نفسه السياف، لإيجاد الدواء المناسب لهذه الأسئلة وغيرها. والضمير الآثم إذا بحث عن الدواء، جاء به من حركة أوزاره الماضية. يقول د. خليف: في هذا الجو السياسي المضطرب، ظهرت المرجئة.. مذهبا سياسيا مسالما... والدولة الأموية كانت عاملا قويا على استقرار مذهب المرجئة... وسارع الناس إلى اعتناق المذهب الذي وجدوا فيه وسيلة للعيش في سلام واطمئنان مع الحكومة الدكتاتورية.
ووجد الأمويون في هذا المذهب ضالتهم المنشودة، التي كانوا يتمنون أن يعثروا عليها وسط الاتجاهات والمذاهب المتعددة المعادية لهم (4). ويقول د. شوقي ضيف عن هذه الاتجاهات: إن أفكار المرجئة تخدم البيت الأموي، الذي كان في رأي الشيعة وكثير من الأتقياء منحرفا عن الجادة الدينية، وينبغي أن يغيره المسلمون ويضعوا مكانه البيت العلوي. والمرجئة لم يكونوا يوافقونهم على هذا الرأي، لأنهم لا يريدون المفاضلة بين المسلمين ولا الحكم على أحد بتقوى وغير تقوى، فالمسلم يكفي أن يكون مسلما " (5).