خيمتهم لا تظهر عورات بني أمية، وعلى منابرهم يجد فقهاؤهم أبوابا للخروج من كل مأزق. فإذا قيل لهم لماذا قاتلتم عليا ثم قمتم بسبه بعد ذلك؟ أو لماذا قتلتم حجر بن عدي واستلحقتم زياد وقتلتم الحسين؟ أو لماذا اجتحتم المدينة يوم الحرة ثم توجهتم إلى مكة لرميها بالحجارة، أو لماذا استخذتم مال الله دولا وعباد الله خولا ودين الله دخلا وضيعتم الصلاة؟. فإذا قيل لهم هذا أو غيره قالوا: كل هذا بقضاء الله وقدره. وعلى هذا أجمعت الأمة. فمن أبى فالسيف.
ولما كانت الدولة الأموية قد أخذت الخطوة الرسمية في اتجاه سنن الذين خلو من قبل، فإن أهل الكتاب قد أخذوا خطوة إضافية تتفق مع أهدافهم التي يسارعون من أجل تنفيذها في الفساد، فقاموا بتغذية الساحة بتيار مضاد لتيار الجبرية لسبب رئيسي هو وضع المسلمين في حلقة من الحيرة والاضطراب الفكري حتى لا يصلوا إلى الحقيقة التي تغذي الفطرة. في التيار الذي قذفوا به هو تيار القدرية وهذا التيار يعمل تحت عنوان: إن كل فعل للإنسان هو إرادته المستقلة عن إرادة الله سبحانه وتعالى (1). وهذا العنوان يعارض تيار الجبرية معارضة تامة. فبينما تقوم الجبرية على تحجر الإنسان والوقوف كحجر عثرة أمام سعيه ونضاله وتدعو الإنسان للخضوع والاستسلام لأولياء الأمر، بدعوى أن الله قدر عليهم أزلا. أن يكونوا محكومين للطغاة، وكما قال الشاعر:
جرى قلم القضاء بما يكون * سيان منك التحرك والسكون جنون منك أن تسعى لرزق * ويرزق في غشاوته الجنين (2) فإن تيار القدرية يعمل على الخط المقابل، والهدف من وراء ذلك العمل على اشتغال الساحة وفي جميع الحالات فالنتيجة لصالح أهل الكتاب. ويقول الشيخ أبو زهرة عن أول من تكلم في القدر ووضع وتد هذا التيار على أرض الواقع: أول من تكلم في القدر رجل من أهل العراق كان نصرانيا، فأسلم ثم تنصر. وأخذ عنه معيد الجهني، وغيلان