الدمشقي (1) وأخذ بني أمية من هذا التيار كل ما يتفق مع طروحاتهم السياسية فيما يتعلق بالخلافة والأسماء والصفات، ثم تصدوا بعد ذلك لأتباع هذا التيار فقتل منهم من قتل وهرب من هرب. ولكن المذهب لم يمت بل دام بعد ذلك في البصرة قرونا طويلة فرخ فيها، بل تحول عند طائفة منهم إلى ما يشبه مذهب الثنوية الذين جعلوا العالم محكوما بقوتين النور والظلمة (2).
وظلت طائفة الجبرية رافعة لأعلامها التي لا تطاولها أعلام، وظلت تتقدم لجعل دين؟ الله دخلا ولاتخاذ عباد الله خولا، وكانت في تقدمها ترتدي ثياب الدين وفي يدها سيف فرعون. وفي هذا الوقت الذي تزاحمت فيه الأفكار ظهر بالساحة أسئلة تبحث لها عن إجابات مثل: هل مرتكب الكبيرة مؤمن أم غير مؤمن؟ وهل يضر مع الإيمان ذنب؟ وكان مصدر هذه التساؤلات تلك الجرائم البشعة التي ارتكبها الخلفاء والأمراء ابتداء من مقتل الحسين، ومرورا باجتياح المدينة، وانتهاءا برمي الكعبة. فجميع هذه الجرائم تتم باسم الدين، والفطرة السوية ترفض جميع التبريرات والترقيعات التي تدافع هذه الأعمال الوحشية.
وأمام هذه الأسئلة برز تيار " المرجئة " ليباشر عمليات التكميم والتعمية. وبذور المرجئة وضعت في عهد عبد الملك بن مروان (3). ثم احتضن الوليد بن عبد الملك هذه البذور تحت إشراف أهل الكتاب، حتى ترعرع شجرها ثم أصبح غابة. وذهب العديد من العلماء إلى أن بذور وضعها الصحابة الذين اعتزلوا أحداث عثمان، ولم يشاركوا في القتال بين أمير المؤمنين علي ومعاوية أمثال: سعيد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وأبو بكرة (4). فهؤلاء الصحابة يقول النووي في موقفهم: إن القضايا كانت بين الصحابة مشبهة، حتى أن جماعة منهم تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين، ولم يقاتلوا ولم يتيقنوا الصواب " (5).