فالمذهب جاء لينضم إلى بقية المعاول التي عملت من أجل ضياع الحقيقة وتشويه الدين. جاء ليقف بالناس على أرضية واحدة. ولأن الناس ينظرون إلى أعمال بني أمية نظرات ارتياب وشكوك. قام المذهب بذبح الأعمال التي تميز هذا عن ذاك. وليس معنى هذا أن بني أمية وأصحاب المقاعد الأولى قد تساوت رؤوسهم مع بقية الناس، لأن مذهب الجبرية فصل بين الناس وجعلهم يستسلمون لبني أمية وأصحاب مقاعدهم.
يقول د. خليف: ومسألة الإيمان مسألة تتصل اتصالا وثيقا بمبادئ المرجئة السياسية، فقالت طائفة: إن الإيمان مصدره القلب، فيكفي إن يكون الإنسان مؤمنا في قلبه، وليس الاقرار باللسان ولا الأعمال من صلاة وصوم ونحوهما جزء من الإيمان. وقالت طائفة أخرى: الإيمان ركنان: تصديق بالقلب، وإقرار باللسان. لا بد منهما معا ليكون المرء مؤمنا كامل الإيمان صحيح العقيدة. ومعنى هذا أن المرجئة جميعا يتفقون على أن العمل ليس ركنا من أركان الإيمان (1). ويقول الشيخ أبو زهرة عن عقائدهم: قرروا أنه لا يضر مع الإيمان ذنب فقالوا: إن الإيمان إقرار وتصديق واعتقاد ومعرفة، ولا يضر مع هذه الحقائق معصية. فالإيمان منفصل عن العمل، بل منهم زعم أن الإيمان اعتقاد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه وعبد الأوثان، أو لزم اليهودية والنصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب. وأعلن التثليث في دار الإسلام، ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ومن أهل الجنة! بل إن بعضهم زعم أن لو قال قائل: اعلم أن الله قد حرم أكل الخنزير، ولا أدري هل الخنزير الذي حرمه هو هذه الشاة أم غيرها كان مؤمنا. ولو قال: أعلم أنه قد فرض الحج إلى الكعبة. غير أني لا أدري أين الكعبة ولعلها بالهند كان مؤمنا.. ويظهر من هذا أنهم تجاوزوا الحد في الاستهانة بالعمل، من حيث اتصاله بأصل الإيمان. ومن حيث أثره في دخول الجنة إن كان صالحا، ودخول النار إن كان غير صالح. بل كان إثما منفيا. فاستهانوا أيضا بأصل الإيمان فحرفوا حقيقة، وجعلوه مجرد