الاذعان القلبي وإن خالفته الجوارح.... وفي وسط تلك الأقوال غير السليمة وجد من المتعقبين لهذا المذهب من يستهين بحقائق الإيمان وأعمال الطاعات.
ومن يستهين بالفضائل، واتخذه مذهبا له كل مفسد مستهتر. حتى لقد ذكر فيه المفسدون واتخذوه ذريعة لمآثمهم ومنهلا لمفاسدهم، ومسايرا لنياتهم الخبيثة، وصادف هوى أكثر المفسدين (1).
وهكذا تعانقت الأشجار على سنن الأولين، وهكذا فرضت الدولة المذهب الذي تراه يستقيم مع مبادئها على طريق فرعون. لقد أعطت المرجئة للطغاة ثياب المؤمنين، وأعطت الجبرية لهم سيفا قاطعا. ويا له من عالم لم يمت فيه فرعون وهامان، عالم تخصص في الاحتيال على الناس بالعنف أو بالحسنى لتحتفظ فيه الجبارين بالكراسي، ويا له من فقه بالخديعة يستلب الأرواح. وكأن صوت فرعون قد جاء من بعيد ويقول: كل هذا يلائم سياستنا المرسومة، هذا هو منطق التجربة الذي يتصرف بوحيه كل من سار على طريقي. فأنا أضع الخطة وأنتم تقومون بالتنفيذ. أنا أنصب الشرك وأنتم تحطمون الفروع الزائدة على الحاجة حتى يتم اقتناص الطائر.. وهكذا فإن على القائد الطموح إن أراد أن يحافظ على مركزه أن يتصرف كصائد مع شعبه.
وكما حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بني أمية، ووضع الوليد في كفة الفراعنة. فإن صلى الله عليه وسلم ذم القدرية والمرجئة من قبل أن يعرف الناس عنهما شيئا. وذلك وهو يقيم الحجة على القرون من بعده بصفة عامة وعلى القرن الأول بصفة خاصة. فقال: " صنفان من أمتي ليس لهم من الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية " (2). وقال: " اتقوا القدر فإنه شعبة من النصرانية " (3). ولقد رأينا بصمات أهل الكتاب على هذه المذاهب.. وقال