وبينما كان الحسين في قرية العقر، كان ابن زياد قد بعث إليه بقوة عسكرية تحت قيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص. وكان ابن زياد قد كتب لعمر ولاية الري إذا رجع من حرب الحسنين، فجد الرجل وشمر عن ساعده (1). وعندما جاء بعث إلى الحسين يسأله ما الذي جاء به، وماذا يريد؟ فأخبر الحسين رسوله:
كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم، فأما إذ كرهوني فأنا انصرف عنهم (2) وبهذا الرد طوق الحسين النظام بطوق الحجة، لقد أخبرهم أن الأشراف وغيرهم كتبوا إليه ومعه الدليل على ذلك. فإذا كانوا قد كرهوه فقد كان عليهم أن يبينوا له ذلك، وعندئذ ينصرف عنهم. ولكن الحال الآن أنه لا يراهم وإنما يرى جنودا مجندة تنتشر حوله في كل مكان. فإذا كان الجند قد جاؤوا ليبلغوه رد الذين كتبوا إليه، فهو على استعداد أيضا للانصراف.
ولقد كان في هذا الرد ما أزاح الستار عن وجه السياسة الأموية، فعندما كتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد: " أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي، فسألته عما أقدمه، وماذا يطلب ويسأل، فقال: كتب إلي أهل هذه البلاد، وآتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت، فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم. فأنا منصرف عنهم " (3). قال ابن زياد:
الآن إذا علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين مناص وكتب إلى عمر بن سعد: أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت.
فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه. فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام (4). فالتيار الأموي رفض تقديم أي دليل يثبت أن الناس كرهوا الحسين، بل ورفض أن تقوم قواته المسلحة بإبلاغ الحسين أن الناس قد كرهوه، لأن تقديم ذلك إليه سيؤدي إلى نجاته، وهم لا يريدون ذلك.