عندما نزل بزباله. ولم يكن يعلم بقتل قيس إلا هنا عندما قابل النفر الأربعة.
ولأن الحسن حجة وخطواته من أجل هدف ومن وراء الهدف حكمة، لم يلجأ إلى أي قوة لتحميه من بني أمية. فهو سائر على طريق، فمن شاء أن ينصره فلينصره، والموعد الله: لقد عرض عليه أن يلجأ إلى قرية أو إلى قبيلة من القبائل، ولكنه أبى إلا أن يسير نحو الهدف. روي أن الطرماح بن عدي قال له:
إني لأنظر فما أرى معك أحدا، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم - أي قوات الحر - وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك، ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر منه. فسألت عنهم. فقيل: إنهم اجتمعوا ليعرضوا، ثم يسرحون إلى الحسين. فأنشدك الله، إن قدرت على أن لا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت، فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتى ترى من رأيك، ويستبين لك ما أنت صانع. فسر حتى أنزلك مناع جبلنا، الذي يدعى أجا، امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر ومن الأسود والأحمر. والله إن دخل علينا ذل قط فأسير معك. حتى أنزلك القرية. ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجا وسلمى من طئ.
فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتيك طئ رجالا وركبانا. ثم أقم فينا ما بدا لك، فإن هاجاك هيج، فأنا زعيم لك بعشرين ألف طئ يضربون بين يديك بأسيافهم، والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف (1).
إن هذا عرض سخي، ولكنه لا يستقيم مع الحجة في هذه الأحداث، لأن الهجرة إلى موطن آخر. تفرضها أحداث أخرى وإنسان آخر. أما الأحداث حول أبي عبد الله الحسين فتدور على ساحة يدعى تيار القوة أنه منار الهدى فيها، وأنه الجماعة التي أمر الله بالتزامها، لهذا فلا بد من المفاصلة لا إلى الهجرة. لهذا قال أبو عبد الله الحسين لمن عرض هذا العرض: جزاك الله وقومك خيرا. إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف (2).