باختصار: كان التيار الأموي قد سبح شوطا طويلا في مستنقعات الأوحال. حيث البغي والنكث والفساد في الأرض... لقد رفضوا إظهار بينة، وهذا من أمور الدين. وطالبوه بمبايعة يزيد بن معاوية، وهذا ليس من أمور الفطرة. وأوصاف يزيد التي اتفق عليها العلماء تثبت ذلك. والذين قالوا إن الحسين طلب أن يضع يده في يد يزيد أو طلب منهم أن يسيروه إلى أي ثغر من ثغور المسلمين لم يصيبوا الحقيقة، لأن هذه الأقوال لا تستقيم مع المقدمات، وإذا كانت هناك أحاديث قد روت هذا، فإن هناك ما يعارضها فعن عقبة بن سمعان قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق، ولم أفارقه حتى قتل. وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة. ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها. ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس. وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير من أمر الناس (1). فهذا القول يستقيم مع المقدمة وفيه حجة على القوم الذي يريدون قتله.
وبعد وصول كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد، صدر إليه الأمر التالي: من عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد. أما بعد، فخل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرة، كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان ". فبعث عمر بن سعد خمسمائة فارس، على رأسهم عمرو بن الحجاج، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين بثلاث. وبينما جنود بني أمية عند الماء، نادى عبد الله بن أبي حصين على الحسين وقال: يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا. فقال الحسين: اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا.
روي أن حميد بن مسلم قال: إنه شاهد ابن أبي حصين بعد ذلك في