فإنك مقتول فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتي * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما.
وواسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وخالف مجرما فلما سمع ذلك منه الحر تنحى عنه وسار، وكان يسير بأصحابه في ناحية وحسين في ناحية أخرى، وبينما هم على ذلك إذا بأربعة من الكوفة قد أقبلوا على رواحلهم، وعندما انتهوا إلى الحسين قال الحر بن يزيد: إن هؤلاء النفر الذي من أهل الكوفة، ليسوا ممن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادهم فقال الحسين: لأمنعنهم بما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني. وقد كنت أعطيتني أن لا تعرض لي بشئ حتى يأتيك كتاب من ابن زياد، فقال الحر: أجل ولكن لم يأتوا معك، قال: هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي. فإن تممت علي ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك، فكف عنهم الحر (1).
وروي أن الحسين قال لهم: أخبروني خبر الناس وراءكم، فقال له مجمع بن عبد الله، وهو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوه: أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، وملئت غرائرهم، يستمال ودهم، ويستخلص به نصيحهم، فهم ألب واحد عليك. وأما سائر الناس بعد. فإن أفئدتهم تهوى إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك. قال أخبرني فهل لكم برسولي إليكم؟ قالوا: من هو؟ قال: قيس بن مسهر. فقالوا: نعم. أخذه الحصين بن نمير، فبعث به إلى ابن زياد، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى عليك وعلى أبيك. ولعن ابن زياد وأباه. ودعا إلى نصرتك. وأخبرهم بقدومك، فأمر به ابن زياد فألقى من طمار القصر، فترقرقت علينا حسين عليه السلام، ولم يملك دمعه، ثم قال:
منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. الله اجعل لنا ولهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك " (2).
وكان الحسين قد علم بقتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر.