الكوفة. إلا كراهة أن يدخلها الحسين وأنا بها. والله ما أريد أن أراه ولا يراني.
فأخبر الرسول الحسين بذلك. فأخذ الحسين نعليه ثم قام فجاءه، فسلم وجلس، ثم دعاه إلى الخروج معه. فأعاد إليه ابن الحر تلك المقالة. فقال له الحسين:
فإلا تنصرنا، فاتق الله فينا إن تكون ممن يقاتلنا، فوالله لا يسمع وأعيتنا أحد، ثم لا ينصرنا إلا هلك. فقال ابن الحر: أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله (1)، فالحسين هنا دعا وذكر وأنذر. ولم يلوح بدينار ولا بدرهم. فمما سبق نرى أنه طلب الرجال الذين يعرفون الموقف على حقيقته. ولقد أوردنا قبل ذلك أنه قال في بيانه الذي ألقاه بعد أن علم بقتل رسله " فمن أحب منكم الانصراف، فليس عليه منا ذمام " لأنه كره أن يسير معه الأعراب وغيرهم، إلا وهم يعلمون حقيقة ما يقدمون عليه. أنه يريد الرجال الذين يسيرون بوقود فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم برهان، لأن هؤلاء ذروة الذين يؤمنون بالغيب. فأحاديث الإخبار بالغيب. بما أنها تفصل بين الحق والباطل، وبين الظلام والنور وبما أنها تبين ماذا يترتب على الانحراف. وأين تقع بصمات التزيين والإغواء، التي أخذ الشيطان على عاتقه أن يضعها ليقع عليها أكثر الناس ولا يؤمن منهم إلا القليل.
وبما أنها حجة على الأكثرية، لأن الله تعالى كشف لهم بهذه الأحاديث أمورا حتى لا تكون لهم حجة على الله يوم القيامة. (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون) (2). وبما أن في أحاديث الإخبار بالغيب مبشرات بعد أن ذهبت النبوة وفيها محذرات، فكذلك هي في عهد الحسين، إن فيها إخبار بالدم، ومن لبي النداء فهو إلى القتل أقرب.
لهذا فمن يشهد الحسين ونصره، وهو على بينة من أمره، يكون في ذروة دائرة الذين يؤمنون بالغيب. وفي عصر الحسين يدخل في هذه الدائرة الذين كان هواهم فيه ولم يشهدوا خروجه، ويدخل فيها بني هاشم الذين شهدوا خروجه ولم يخرجوا - وذلك لأن الحسين أذن لهم في البقاء. ومنهم من كان يبعث إليه