فيكم بالجور والعدوان. وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا. وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم " (1)، فالحسين يوضح هنا أن الدعوة إليه كانت صادرة من صدور ماضيه، وعلى هذا الرضى جاءت الرسائل التي لم يجد أمامها إلا أن يتحرك، وإنه لو لم تأت هذه الرسائل ما كان له أن يتحرك. وكيف يتحرك نحو قوم كرهوه وجهلوا حقه. فالرسائل هي دليل الرضا، والحر وقواته دليلا على كبت هذا الرضا. ولذا قال له الحر: إنا والله ما ندري ما هذه الكب؟ التي تذكر. فقال الحسين: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي، فأخرج خرجين مملوءين صحفا. فنشرها بين أيديهم. فقال الحر: فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد. فقال له الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك. قال الحر: لم أؤمر بقتالك وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة، تكون بيني وبينك نصفا، حتى أكتب إلى ابن زياد. وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب إليه أو إلى عبيد الله بن زياد إن شئت فلعل الله إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشئ من أمرك (2). وسار الحسين في طريق والحر في طريق آخر يسايره ويراقبه.
وروي أن الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول. كان حقا على الله أن يدخله مدخله. إلا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفئ، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله. وأنا أحق من غير، وقد آتتني