كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم إنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن أتممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم. فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر. لقد فعلتموها بأبي وأخي وأبن عمي مسلم، والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1).
إن الحسين وهو يخاطب الجنود الذين لم يكتبوا إليه، خاطبهم من على أرضيه الحجة، فوضعهم مع الذين بعثوا إليه في مربع واحد. فالذين بعثوا إليهم هم أشراف القوم ورؤوسهم، والجنود لا ينفصلوا عنهم بحال، لذا كان الخطاب واحدا وموجه إلى مربع واحد.
وروي أنه خطب فيهم بمنطقة ذي حسم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون. وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرت جدا، فلم يبق منها إلا صبابة الإناء. وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا. فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما. وعندئذ قام زهير بن القين فقال لأصحابه: تتكلمون أم أتكلم. قالوا: بل تكلم، فحمد الله فأثنى عليه ثم قال: قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك. والله لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها. فدعا له الحسين. فأقبل الحر وقال: يا حسين إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى، فقال له الحسين: أفبالموت تخوفني؟ ما أدري ما أقول لك، ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه ولقيه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له: أين تذهب