معالم الفتن - سعيد أيوب - ج ٢ - الصفحة ٢٦٦
السلطان (1). ووقف كثير بن شهاب فقال: أيها الناس الحقوا بأهليكم، ولا تعجلوا الشر، ولا تعرضوا أنفسكم للقتل. فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت. وقد أعطى الله الأمير عهدا، لئن أتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم. أن يحرم ذريتكم العطاء، ويفرق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على غير طمع، وأن يأخذ البرئ بالسقيم، والشاهد بالغائب، حتى لا يبقى له فيكم بقية من أهل المعصية. إلا أذاقها وبال ما جرت أيديها (2).
يقول الطبري: وتكلم الأشراف بنحو من كلام هذا. فلما سمع مقالتهم الناس أخذوا يتفرقون وأخذوا ينصرفون وروي أن المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها فتقول: انصرف، ويجيئ الرجل إلى ابنه أو أخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف، فما زالوا يتفرقون ويتصدعون، حتى أمسى ابن عقيل وما معه ثلاثون نفسا في المسجد، فلما أمسى وليس معه إلا أولئك النفر. خرج متوجها نحو أبواب كنده. فما بلغ الأبواب وما معه منهم عشرة، ثم خرج من الباب. وإذا ليس معه إنسان، والتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق، ولا يدله على منزل ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو.
فمضى على وجهه يتلدد في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب، حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها: طوعة كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي. فولدت له بلالا، وبعد أن عرفها بنفسه وأن القوم كذبوه، أدخلته بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه (3).
ومن قصر الإمارة أعلن ابن زياد على أهل الكوفة: إن برئت ذمة الله من رجل وجدنا ابن عقيل في داره ومن جاء به فله ديته. وقال: اتقوا الله عباد الله، والزموا طاعتكم وبيعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا، ثم نادى على صاحب

(1) الطبري 207 / 6، البداية 154 / 8.
(2) الطبري 208 / 6.
(3) الطبري 209 / 6، البداية 155 / 8.
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»
الفهرست