وهدأوا فلم بقتالهم الخليفة، ودفع الله بتلك الفتوى مجزرة الخليفة (1).
ولذلك قال المنصور لمالك: إن أهل الحرمين أسرع الناس إلى الفتن وأضعفهم عنها قاتلهم الله أنى يؤفكون.
* ثالثا: إن الخليفة كان يرشح مالكا ليكون هو العالم المنظور إليه في كل الأقطار الإسلامية، ثم يفرض مذهبه على الناس ويحملهم على اتباعه بوسائل الترهيب والترغيب.
فمن وسائل الترغيب قوله: ونعهد إلى أهل الأمصار أن لا يخالفوها ولا يقضوا بسواها، وأن يوفدوا إليه وفودهم ويرسلوا إليه رسلهم في أيام حجهم.
ومن وسائل الترهيب قوله: أما أهل العراق فيحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ونقطع طي ظهورهم بالسياط.
ونفهم من هذه الفقرة ماذا كان يلاقيه الشيعة المساكين من حكام الجور من اضطهاد وقتل لحملهم على ترك الأئمة من أهل البيت وأتباع مالك وأمثاله.
* رابعا: نلاحظ بأن الإمام مالكا وجعفر المنصور كانا يحملان نفس العقائد ونفس المفاضلة بخصوص الصحابة والخلفاء الذين استولوا على الخلافة بالقوة والقهر.
قال مالك في ذلك: ثم فاتحني في العلم والفقه فوجدته أعلم الناس، ثم فاتحني فيمن مضى من السلف والعلماء فوجدته أعلم الناس بالناس.
ولا شك بأن أبا جعفر المنصور بادل الإمام مالكا نفس الشعور وأطراه بنفس الإطراء، إذ قال له مرة لقاء قبل هذا: وأيم الله ما أجد بعد أمير المؤمنين أعلم منك ولا أفقه (2) ويقصد بأمير المؤمنين (نفسه، طبعا).