وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني:
قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث: لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال، وضرب الابشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود، ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شئ مما يدعو إليه من معاصي الله، واستدلوا على ذلك بأخبار كثيرة متظافرة عن النبي وعن الصحابة في وجوب طاعة الأئمة، وإن جاروا واستأثروا بالأموال وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: " اسمعوا وأطيعوا ولو لعبد أجدع، ولو لعبد حبشي وصلوا وراء كل بر وفاجر، ورووا أيضا أنه قال " أطعهم وإن أكلوا مالك وخربوا ظهرك " (1).
والأعظم من ذلك أن أولياء الخلفاء اعتبروا ارتكاب بعض الخلفاء وأوليائهم للجرائم الخطيرة، والخروج الفاضح على كتاب الله وسنة رسوله من قبيل الاجتهاد، وأن الخلفاء وعمالهم مأجورون أجرا واحدا على جرائمهم وخروجهم على كتاب الله وسنة رسوله، لأنهم مجتهدون، ووضعوا أحاديث على رسول الله تثبت هذه المزاعم الكاذبة!! قال أبو الخير الشافعي في حق يزيد بن معاوية الذي قتل الإمام الحسين، وأباد أهل بيت النبوة في كربلاء، واستباح مدينة الرسول، وختم أعناق الصحابة وهدم الكعبة " ذلك إمام مجتهد " (2) ونقل ابن حجر في الصواعق المحرقة عن الغزالي والمتولي القول بأنه " لا يجوز لعن يزيد وتكفيره لأنه من جماعة المؤمنين " (3) وقال ابن حزم " إن معاوية ومن معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجرا واحدا " (4).