كان سليمان بن عبد الملك وليا للعهد الأموي، حج ذات سنة ومر بالمدينة، وركب إلى مشاهد رسول الله، فأمر إبان بن عثمان أن يكتب له سيرة الرسول، فقال إبان: هي عندي قد أخذتها مصححة، فأمر بنسخها، ولما اطلع سليمان عليها، ورأى ما فيها، أمر بذلك الكتاب فحرق، وعندما رجع إلى عاصمة ملكه ذكر ذلك لأبيه فقال عبد الملك: " وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فضل فيه، تعرف أهل الشام أمورا لا نريد أن يعرفوها فقال سليمان: لقد أمرت بتحريق الكتاب فصوبه عبد الملك " (1).
سليمان لا يدري أن رسول الله قد لعن جده مروان بن الحكم، ولعن أباه الحكم بن العاص ووسمهم بأنهم أعداء الله، وحذر منهم، ولا يدري بأن أجداده وأقاربه هم الذين قادوا جبهة الشرك، ولا أهل الشام، ولا حديثو العهد بالإسلام يدرون بذلك!! فما هي مصلحتهم وما هي مصلحة الخلفاء بإباحة سنة الرسول التي تكشف ذلك!! إن مصلحتهم ومصلحة ملكهم تقضي بطمس سنة الرسول، واعتبارها هي الخطر الداهم الذي يهدد ملكهم ومصالحهم!!!
طلب خالد القسري أحد ولاة بني أمية من أحد العلماء أن يكتب له سيرة الرسول، فقال ذلك العالم: " فإنه يمر بي الشئ من سيرة علي بن أبي طالب أفأذكره؟ فقال خالد: لا، إلا أن تراه في قعر جهنم " (2) إذا تحدثوا عن سيرة الرسول أو سنة الرسول، فإنهم يريدونها سيرة مزورة تخدم ملكهم ومصالحهم، وتشهد لصالحهم زورا، فإذا لم يتمكنوا من إيجاد مثل هذه السيرة أو السنة، فلا داعي لسيرة ولا لسنة تشكل خطرا على دولتهم ووجودهم، وتخدم أعداءهم الألداء آل محمد ومن والاهم!!!