يعاقب المتآمرين، لأن الخبر قد جاءه بالوحي قبل أن يشرع المتآمرون بتنفيذ الجريمة، ولما قال له بعض أصحابه: لم لا تقتلهم يا رسول الله، أجاب أليسوا يشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله!! قالوا: بلى ولكن لا شهادة لهم، فقال النبي: إني لم أؤمر بذلك، سيقول العرب إنه بعد أن وضعت الحرب أوزارها بدأ محمد يقتل أصحابه!! كان مجتمع المدينة وما حولها غاص بالمنافقين وأصحاب النفوس الفاسدة، بل إن هنالك فئة داخل المدينة وخارجها قد مردت تماما على النفاق كما ذكر الله تعالى، فهم ليسوا منافقين فحسب بل هم من كبار مردة النفاق كان الرسول يعلم ذلك، لكنه مقيد بالحكم الإلهي، ومقيد بالخلق العظيم، ومقيد بكونه ذروة الوجود والكمال الإنساني، كان يتصرف مع الجميع تصرف الأكبر، تصرف الوالد الرحيم مع أبنائه، فلم يقطع الرجاء بصلاح من انحرف، أو حاد عن الطريق المستقيم، كان يأمل أن يخرج الله من صلب ذلك المنحرف إنسانا مستقيما!! روحي فداك يا رسول الله كم أنت كبير وعظيم وحليم ورحيم!!!
لقد كان عمر بن الخطاب أحد أصحابه الذين هاجروا تبعا لهجرته، لقد عرض عمر ابنته حفصة على رسول الله فتزوجها، فنال شرف المصاهرة، وصار يتردد على رسول الله بحكم الصحبة وبحكم المصاهرة، كان عمر في الجاهلية رجلا مغمورا ليس من علية القوم، ولا من زعامتها، أنظر إلى قول المقداد لعمر في السقيفة: " لأعيدنك إلى قوم كنت فيهم ذليلا غير عزيز... " كما يروي ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج 1 ص 4 وما فوق، وبعد الهجرة وجد نفسه صاحبا لأعظم شخصية في العالم، وحما لرجل الساعة، وواحدا من أتباعه المقربين بحكم الصحبة والمصاهرة والغربة عن مسقط الرأس، فتاه الرجل فخرا وعزا، فاستخفته هذه المرتبة العالية، فتفتح طموحه، واتسع نطاق وسائله ليستوعب هذا الطموح العجيب، ويتقن من حلم النبي العظيم، ومن إحساس النبي الصادق بأن لعمر عليه حق الإسلام، وحق الصحبة، وحق المصاهرة، والحلم النبوي