الفذ وهذه الحقوق التي يراها الرسول لعمر تجعل عمر في أمان خلال هذه الحياة الدنيا على الأقل، فانطلق الرجل، وخلال انطلاقته كشف بوضوح عن مفهومه الخاص لسنة رسول الله بأنواعها الثلاثة القولية والفعلية والتقريرية، بل لقد كشف عن طبيعة إيمانه ونظرته الشخصية للرسول، ولما آلت إليه الخلافة تألق نجمه كصاحب لرسول الله وكخليفة، بيده مفاتيح خزائن دولة عظمي، يؤلف بأموالها ونفوذها القلوب من حوله فاستقطب بسيرته قبل الخلافة وبعدها الذين عادوا رسول الله، وأسند لهم مناصب الدولة العليا، واستقطب من أيد سياسته من القلة المؤمنة، ثم عزل أهل بيت النبوة عزلا اجتماعيا تاما، وأذلهم، حتى ينتزع من نفوسهم وإلى الأبد فكرة المطالبة بالرئاسة العامة للمسلمين، ومن الادعاء بأن الرئاسة حق خالص لأهل بيت النبوة من دون الناس!!
أما على مستوى الشخصي فعاش حياة الكفاف!! فانقادت فئات الأمة له، قلة من المؤمنين، وكامل بطون قريش وكافة أعداء الله ورسوله السابقين، والمنافقين والمرتزقة من الأعراب، وصارت كل فئة تعتقد أنه رجلها، وحتى أهل بيت النبوة لم يجهروا بمعارضتهم له، فذاع صيت الرجل، وعمت شهرته، ووضعت له الفضائل التي لا تحصى، وتصور الناس أن الرجل يخالف الله ورسوله لحكمة خافية عليهم، وأن الله لو لم يختر محمدا للنبوة لاختار عمر، وما من قصة كان فيها رسول الله وعمر إلا وأعطوا فيها دور البطولة لعمر، وصارت هذه المعتقدات جزءا من عقيدة العامة والخاصة ثم آلت الخلافة إلى أعداء الله السابقين والحاقدين على أهل بيت النبوة فبالغوا بمدح أبي بكر وعمر لا حبا بهما ولكن إرغاما لأنوف أهل بيت النبوة، وشب الصغير على ذلك وهرم الكبير فيه، واستقر ذلك في النفوس عمليا!! فأي بحث موضوعي سيصطدم بهذه القناعة المسبقة التي تكونت عند الغالبية من المسلمين والتي ترفض ما يتعارض معها!! بهذا المناخ سنبحث منع رواية وكتابة سنة الرسول في عهد عمر بن الخطاب،