الإسلام مغمورا، وليسوا من علية القوم، ولا من ساداتهم، لقد اشتهروا فقط عندما اعتنقوا الإسلام، وعندما نال بعضهم شرف مصاهرة رسول الله، فلم يدعي أبو بكر أو عمر أو عثمان أو أبو عبيدة، أو عبد الرحمن بن عوف أو غيرهم من ذلك النفر أنه كان سيد قومه في الجاهلية، أو أنه كان من علية القوم، بل قد أقروا جميعا بأنهم كانوا قبل الإسلام مجرد أشخاص مغمورين لا ذكر لهم، وأن اعتناقهم للإسلام هو الذي أعطاهم الشهرة بعد خمول ذكر، وألبسهم ثوب العز بعد ذل، لقد هيج هذا الوضع الجديد في نفوس ذلك النفر الطمع بالإمارة والحرص عليها، خاصة وأن ذلك النفر قد أصبح في عداد أفراد الحلقة الأولى التي تلتف حول النبي، وبحكم هذا الوضع، وبحكم المصاهرة والصحبة فقد أصبحوا على صلة دائمة بالنبي، فذاع صيتهم، وعلا ذكرهم، وازداد هيجان طمعهم بالإمارة من بعد النبي، وحرصهم عليها، لقد أحسوا بأنه لم يبق بينهم وبين ما يطمعون به إلا قاب قوسين أو أدنى وهذا ما حفز هممهم، وضاعف جهدهم، وسرع خطواتهم نحو ما يريدون.
لقد كانوا في قرارة أنفسهم يعلمون علم اليقين أن من اختاره الله لخلافة النبي وأعلنه رسول الله أشجع وأعلم وأقرب للنبي وأكثر عناء وأقدم سابقة وأرضى لله من أي واحد منهم، وكانوا على يقين بأنهم لم يكن لأي واحد منهم أي دور بارز في أية معركة من المعارك التي حسمت الصراع لصالح الإسلام، بل كانوا يعلمون علم اليقين بأنهم قد ولوا يوم الزحف وفروا في أكثر من معركة، وأن أي واحد منهم لم يقتل أو يجرح أو يأسر أي مشرك طوال فترة الصراع بين الكفر والإيمان، لكنهم اعتقدوا أن الحياة فرص ومغامرة، وأن عليهم أن يغتنموا هذه الفرصة، وأن يخوضوا غمار هذه المغامرة!! خاصة وأنهم قد اعتبروا أن مجرد اتباعهم للنبي وهجرتهم تبعا لهجرته، وعدم قتالهم إلى جانب زعامتهم - زعامة البطون - تضحية كبرى تستحق مكافأة كبرى وهي الإمارة أو الرئاسة العامة من بعد النبي!!.