في المبدأ كان الكون مغمورا في غيابة الظلام، ولا يمكن إدراكه، وخال من كل وصف مميز، لا يستطاع تصوره بالعقل، ولا بالوحي، كأنه في سبات عميق، وانقضى على هذا أمد طويل، ثم تعلقت إرادة المولى الموجود بذاته التي لا تدركها الأبصار، فجعل هذا العالم مرثيا هو وعناصره الخمسة وأصوله الأخرى، متلألئا بالنور الأقدس، قاشما الظلام الحالك، فاقتضت حكمة برهما الذي لا يدركه إلا العقل أن يبرز من مادته المخلوقات المختلفة، فأوجد الماء أولا، ووضع فيه جرثومة، فصارت الجرثومة بيضة لامعة لمعان الذهب، وعاشت داخلها الذات الصلبة على صورة برهما وهو جد جميع الكائنات، فبعد أن لبث برهما في البيضة سنة برهمية وهى تعادل ملايين السنين البشرية قسم المولى بمحض إرادته هذه البيضة قسمين وصنع منهما السماء والأرض والكائنات... وعين لكل كائن اسمه، وخلق عددا عديدا من الآلهة وخلق طائفة غير مرئية من الجن، وخلق الزمان وأقسامه، والكواكب والأنهار والبحار والجبال... (1).
وهناك رواية أخرى عن خلق الكون ترويها الأساطير الهندية، وفحوى هذه الرواية أن الروح الكوني تشكل بالشكل الإنساني، ثم نظر حوله فلم يجد هناك شيئا غير نفسه، فصرخ بملء فيه " هأنذا " فوجدت من هذه الساعة كلمة " أنا " ولذلك فأول ما يقول الإنسان إلى الآن عند كلامه عن نفسه " أنا " وشعر هذا الروح الكوني، أو الإنسان الأول بالخوف من وحدته، ولذلك يخاف الإنسان إلى الآن إذا كان وحيدا، ولكنه سأل نفسه: لماذا أخاف ما دام ليس هناك أحد غيري، وإنما يخاف الإنسان من غيره؟ ووجد نفسه لا يشعر بالسعادة ولذلك لا يشعر