وعلينا أن نحترس من مغالاة الشراح الأوربيين بهذه الفلسفة البوذية، لأنهم يتعصبون لكل منسوب إلى الآرية، على اعتبارها عنصر الأوربيين الأقدمين والمعاصرين، فقد رفعوها فوق قدرها بلا مراء، وزعموا أنها " جرأة العقل الكبرى " في مواجهة المشكلة الكونية، وأنها الخطوة المقتحمة التي لم يذهب وراءها ذو عقيدة في مطاوح التأمل والإقدام. لكنها لا تحسب من الجرأة العقلية بوصف من الأوصاف، فما هي إلا جرأة حسية في أقسى ما تطوحت إليه من الفروض والأظانين، وما البوذية كلها إلا تململا من وطأة الحس والجسد، وما سعادتها القصوى إلا ضيقا بالحس وهربا منه إلى الفناء أو اللاوعي على أحسن تقدير.
فالبوذية فتح في ميدان التصوف أو ميدان " الوجدانيات " والفضائل الخلقية، ولكنها ليست بالفتح الجرئ في معراج الوصول إلى الكمال، كمال الإله.
ويصور الأستاذ العقاد العلاقة بين البرهمية والبوذية أجمل تصوير في قوله:
فالبوذية إنما قامت على أساس البرهمية في كل عقيدة من عقائد الأصول، وإنما تميزت البوذية بتبسيط العقائد لطبقات من الشعب غير طبقات الكهان، فأخرجتها من حجابها المكنون، في المحاريب إلى المدرسة والبيت وصفوة المريدين (1).
أما مكان البوذية في العقائد فيصوره هذا الباحث بقوله:
ولا تعتبر البوذية إضافة في صميم العقائد الدينية، بل إضافة في آداب السلوك وفلسفة الحياة، وإضافة في عرض الآراء على يد غير المستأثرين بها قديما من سدنة الهيكل والمحراب (2).