بالحياء معناه عدم تصور الإثم وذلك زيادة في النقاء، فعلى كل ناسك يريد أن يحيا حياة بريئة من الإثم أن يعيش عاريا، ويتخذ من الهواء والسماء لباسا له.
أما الانتحار فقد كان نتيجة للتخلي عن كل عمل، وترك كل ما يغذي الجسم لعدم الاحساس بالجوع، ولقطع الروابط بالحياة، وللتدليل على أن الراهب أو الراهبة لم يبق له اهتمام بهذا الجسد الفاني، فهو يجيعه، وينتف شعره، ويعرضه لظواهر الطبيعة القاسية حتى الموت. وقد انتشر الانتحار بالجوع بين رهبان الجينيين قديما (1).
ويعتبر الانتحار غاية أو جائزة لا تتاح إلا لخاصة الرهبان الذين اتبعوا النظام الجيني الذي سنشرحه عند الكلام عن فلسفة الجينية، وإتاحة الفرصة للانتحار معناها قطع الأعمال التي هي مظنة إلحاق الضرر بأي كائن ذي روح، ولا يكون ذلك إلا بعد قضاء اثنى عشر عاما أو ثلاثة عشر عاما داخل الناموس الصارم المرسوم للرهبان الجينيين.
أليس تناقضا عجيبا أن يحرص الجينيون بالغ الحرص على الحياة لكل حشرة وكل دابة، ثم يجعلون انتحار الرهبان جوعا قربى من القربات؟ مهما قيل من الأسباب فإني أراه إيذاء للإنسان وقضاء على حياته، مع أن الجينية لا تلحق الأذى بأحد ولا تقر القضاء على الحياة، ويظل تساؤلنا هذا قائما مع تذكرنا أنهم يعملون ذلك رغبة في الخلود أو النجاة، أو نتيجة للخمود والجمود.