وهو جينا الثالث والعشرون، وبسبب هذه المسالمة اعترف الجينيون بآلهة الهندوس فيما عدا الثالوث (برهما - وشنو - سيفا)، وكانوا في بادئ الأمر - كما يظهر من كتبهم - يعترفون بآلهة الهندوس للهندوس، ويحترمونها للمجاملة والمسالمة، ولكنهم عادوا فأجلوها لذاتها، وإن لم يصلوا في إجلالها إلى درجة الهندوس بطبيعة الحال (1).
غير أن العقل البشري يميل إلى الاعتراف بإله، ويحتاج الالحاد إلى أدلة أكثر من الأدلة التي يحتاجها إثبات الآلهة، ومن هنا وجد فراغ كبير في الجينية بسبب عدم اعتراف مهاويرا بإله يكمل به صورة الدين الذي دعا إليه، وكان من نتيجة ذلك أن اعتبره أتباعه إلها، بل عدوا الجيناوات الأربعة والعشرين آلهة لهم، ولعلهم بذلك كانوا متأثرين بالفكر الهندي الذي يميل في الأكثر إلى تعدد الآلهة.
والجينية تتفق مع الإسلام في جزء يسير يتعلق بروح الإنسان، ذلك هو استقلال كل روح عما عداها، وخضوعها للثواب أو العقاب لما يرتكبه صاحبها، وإن اختلف الإسلام مع الجينية في طريق الثواب والعقاب.
وعدم الاعتراف بالإله استتبع عند الجينيين اتجاهات مهمة سلبية تتعلق بالعقائد، فهم لا يقولون بالصلاة، ولا بتقديم القرابين، ولا يعترفون بالطبقات، ولا بما تدعيه الطبقة العليا في النظام الهندوسي وهي طبقة البراهمة من امتيازات ومزايا. ولكن خلق المسالمة الذي دفع الجينيين إلى الاعتراف بآلهة الهندوس كما ذكرنا آنفا، دعاهم هنا إلى الاعتراف بالبراهمة، وأن من الواجب احترامهم المطلق، وليس معنى هذا وجود طبقة براهمة في الجينية. بل المقصود احترام براهمة الهندوس كطائفة